تحالفات المجترئين على الأحادية الأميركية!

نشر في 08-09-2008
آخر تحديث 08-09-2008 | 00:00
 محمد صادق الحسيني شكلت الزيارة المتميزة والاستثنائية التي قام بها الرئيس البوليفي إيفو موراليس إلى طهران حدثا ومعلما مهما من معالم المشهد المتغير والمتحول في العلاقات الدولية والذي يبدو عليه تنامي الشعور لدى الامم والشعوب والدول نحو مزيد من تحدي الولايات المتحدة الأميركية وامبراطوريتها في جميع مناطق النزاع والنفوذ المتاخمة لحيزها الحيوي!

فالرئيس البوليفي اليساري النزعة وذو الأصول الهندية الحمراء، الذي يعلن صراحة أنه يعادي السياسة الأميركية الساعية للهيمنة على العالم، جاء إلى طهران في زيارته الأولى لها ليعلن على الملأ أنه قادم ليوحد جهود المعادين للإمبريالية الأميركية، وأن خياره هذا هو خيار لا رجعة عنه، وأنه لن يتردد فيه بسبب تحذيرات أو انزعاجات واشنطن، كما أعلن أثناء لقاءاته مع كبار المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم مرشد الثورة الإسلامية!

من جهتها، فإن الحكومة الإيرانية وعلى لسان أحمدي نجاد كما النظام الإيراني وعلى لسان مرشده والرجل الأول فيه، أعلنا صراحة أنهما إذ يفتخران بمواقف بوليفيا المعادية للهيمنة الإمبريالية ويعتبرونها نموذجا للدول المستضعفة وصاحبة الإرادة المستقلة، فانهما سيقفان بكل ما أوتيا من قوة إلى جانب هذا النهج من أجل كسر إرادة «المهيمنين» وناهبي ثروات ومقدرات العالم كما جاء في تصريحاتهما خلال لقائهما بالزعيم اللاتيني الهندي الأحمر!

من جهة أخرى، فإن المسألة الجورجية التي فجرت الصراع أخيرا بين الغرب عموما وأميركا بشكل خاص من جهة والاتحاد الروسي من جهة أخرى، قد أثارت من جديد رغبة دولة إقليمية طموحة مثل إيران في تعزيز تحالفاتها الخارجية مع خصوم واشنطن ومناكفيها على المستوى العالمي، لاسيما تلك التي شكلت إلى أمد قريب الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية.

زيارة موراليس إلى طهران إذن تأتي في هذا الإطار، خصوصاً اذا ما علمنا بأن موراليس منخرط الآن في حلف لاتيني يساري قوي يناهض أحلام الامبراطوريين الأميركيين الجدد من بين رموزه الرئيس الفنزويلي شافيز الذي يعتبر طهران أحمدي نجاد التي زارها ثلاث مرات حتى الآن خير حليف لبلاده أمام طموحات وأطماع واشنطن الإمبريالية والامبراطورية كما يصفها الحليفان، فيما يحتضن رمزا ثالثا جديدا لا يقل أهمية عن الاثنين، وهو الرئيس النيكاراغوي الذي ذهب في تفاعله مع تداعيات الحرب الجورجية على المشهد الدولي إلى أبعد ما يتصوره المرء، وهو الاعتراف باقليمي اوسيتيا الجنوبية وآبخازيا تضامنا مع موسكو ومناكفة استفزازية واضحة لواشنطن بالتأكيد!

وإذا ما تابعنا الأخبار المتسارعة الواردة من أوكرانيا من جهة والتي تحدثنا عن انفراط عقد تحالف السلطة البرتقالية الموالية لواشنطن هناك وأخبار جولة ديك تشيني إلى بعض دول القوقاز، وفي مقدمتها جمهورية أذربيجان المحاذية لحدود إيران الشمالية لحشد تضامن غير مضمون مع جورجيا من أجل استثمارات الطاقة الأميركية وصيانة مصالح النفوذ هناك من جهة أخرى، عندها سنكتشف مدى الاهمية والخطورة التي تتميز بها تداعيات تحول المشهد العالمي القائمة على خلفية نكبات واخفاقات واشنطن المتتالية انطلاقا من تورا بورا مرورا ببلاد الرافدين وبلاد الأرز العريقة في عنفوانها وصولا إلى القوقاز التي ظلت عصية على الوصاية والانتداب الأجنبي طوال قرون!

لن نفشي سرا إذا ما قلنا إن طهران تلقت خلال تداعيات هذه الأزمة العالمية الجديدة وإن بشكل غير رسمي وعبر مدير مركز الدراسات الإيرانية في موسكو السيد رجب صفراووف اقتراحا بالسماح لروسيا بإقامة درع صاروخي في إطار قاعدتين عسكريتين إحداهما في محافظة أذربيجان الإيرانية المحاذية لجمهورية أذربيجان لمراقبة تحركات الأطلسي في كل من الجمهورية الآنفة الذكر وتركيا وجورجيا، والأخرى في جزيرة قشم الإيرانية الواقعة في المياه الخليجية الدافئة جنوبا والمحاذية لمضيق هرمز وذلك لمراقبة نشاطات الأساطيل الأميركية، مقابل تعهد روسي لحماية إيران ضد أي هجوم عسكري أميركي والتعهد بإكمال المشروع النووي الإيراني السلمي حتى نهايته المرجوة!

بالطبع إيران لن تقبل بمثل هكذا اقتراح ودستورها يمنع حكامها من إقامة قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها تحت كل الظروف، لكن مجرد طرح مثل هذه الأفكار يجعل من طهران رقما صعبا ودورا متنازعا عليه في خريطة النفوذ الدولية التي يعاد تشكيلها اليوم من جديد بناء على الفشل الذريع للحرب الأميركية العالمية المفتوحة ضد ما سمي بالإرهاب!

ثم فلنتابع سويا دلائل وإشارات وتداعيات القمة الرباعية التي انعقدت في دمشق الأسبوع الفائت والتي جمعت أهم حليف متبق لواشنطن والطامح بزعامة أوروبا وإعادة نفوذ قيصريته على المتوسط، مع النجم التركي الصاعد الذي رفع الفيتو بوجهه لدخول الاتحاد الأوروبي، ومع الأسد الذي ظل عصيا على التطويع لإرادة الخمسة الكبار طوال ثلاث سنوات عجاف من الحصار والتطبيع مع معسكر الغرب المتقدم والرابض على هضبة بلاده منذ عقود، إلى جانب رابعهم الذي يلعب بتجرؤ نادر وحنكة متميزة في الوقت الأميركي الضائع انطلاقا من جزيرته ليقايض بها دوراً لبلاده خارج المألوف من المعادلة التقليدية التي اعتاد العرب والعالم عليها!

ألا تحمل هذه الوقائع والأحداث كلها رسائل مثقلة بالدلالات على أن المشروع الأميركي الأحادي لقيادة العالم في طريقه إلى الانكفاء، فاتحا الباب أمام لاعبين طموحين جدد؟!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

back to top