أين الزعماء العالميون؟
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
المشكلة الثالثة، هي الانفصال بين المعارف العلمية العالمية وأهل السياسة. فقد نجح العلماء والمهندسون في ابتكار العديد من الطرق للتعامل مع تحديات اليوم، سواء تلك المرتبطة بزراعة الغذاء، أو السيطرة على الأمراض، أو حماية البيئة. ولقد اكتسبت هذه الطرق المزيد من القوة أثناء السنوات الأخيرة بفضل التقدم التكنولوجي الهائل في مجال المعلومات والاتصالات، الأمر الذي جعل التوصل إلى الحلول العالمية وتطبيقها أيسر من أي وقت مضى.أما المشكلة الرابعة، فتتلخص في تجاهل مجموعة الثماني للمؤسسات العالمية -وبصورة خاصة الأمم المتحدة والبنك الدولي- التي تمنحنا أفضل الأمل في تطبيق الحلول العالمية. فهذه المؤسسات كثيراً ما تُحرَم الدعم السياسي، وتعاني عجز التمويل، ثم تتحمل اللوم والانتقاد من جانب مجموعة الثماني حين يتعذر حل المشكلات العالمية. إن مثل هذه المؤسسات لابد أن يُمنَح السُّلطة والمسؤوليات أولاً، ثم يُحاسَب على أدائه. الحقيقة أن الرئيس بوش قد يكون غافلاً إلى الحد الذي يجعله لا يدرك أن انخفاض معدلات قبوله بين الناخبين الأميركيين، التي سجلت انخفاضاً تاريخياً غير مسبوق (30%)، يرتبط بحقيقة ثابتة مفادها أن حكومته أدارت ظهرها للمجتمع الدولي، فانزلقت بذلك إلى مستنقع الحرب والأزمة الاقتصادية. وربما كان بوسعنا أن نفترض أن بقية زعماء مجموعة الثماني تدرك أن خسارتها لشعبيتها بين مواطنيها ترتبط ارتباطاً قوياً بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وعدم استقرار مناخ العالم، وزعزعة استقرار الاقتصاد العالمي، وكلها تحديات لا قِـبَل لهؤلاء الزعماء بمواجهتها بمفردهم. بحلول شهر يناير 2009 وتنصيب رئيس الولايات المتحدة الجديد، يتعين على الساسة أن ينتهزوا أفضل الفرص لبقائهم السياسي، وبالطبع لمصلحة بلدانهم، وذلك بإعادة مبدأ التعاون العالمي إلى الحياة. ويتعين عليهم أن يتفقوا على السعي إلى تحقيق أهداف عالمية مشتركة، بما في ذلك مكافحة الفقر والجوع والمرض (أهداف تنمية الألفية)، فضلاً عن مقاومة تغير المناخ والدمار البيئي.ولتحقيق هذه الغايات يتعين على مجموعة الثماني أن تضع جداول زمنية واضحة للعمل، وأن تعقد اتفاقيات صريحة بشأن كيفية تمويل ذلك العمل. وفي اعتقادي أن الخطوة الأكثر براعة تتلخص في اتفاق دول مجموعة الثماني على أن يقوم كل منها بفرض ضريبة على انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من أجل السيطرة على تغير المناخ، ثم تخصص نسبة ثابتة من العائدات لحل المشاكل العالمية. وبتأمين التمويل تستطيع دول مجموعة الثماني أن تنتقل فجأة من الوعود الفارغة إلى التخطيط الحقيقي.مع توافر التمويل اللائق، يتعين على زعماء العالم السياسيين أن يستعينوا بخبرات المجتمع العلمي والمنظمات الدولية لمساعدتهم في تنفيذ جهد عالمي حقيقي. وبدلاً من النظر إلى الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة باعتبارها مصدراً للمنافسة أو تهديداً للسيادة الوطنية، فلابد أن يقروا بأن العمل مع هيئات الأمم المتحدة يشكل في الحقيقة السبيل الوحيد نحو حل المشاكل العالمية، وبالتالي المفتاح إلى بقائهم السياسي. إن هذه الخطوات الأساسية -الاتفاق على أهداف عالمية، وجمع التمويل اللازم لتحقيق هذه الأهداف، وتحديد الخبرات العلمية والمنظمات المطلوبة لتطبيق الحلول- تشكل منطقاً إدارياً جوهرياً. وقد يهزأ بعضهم زاعمين أن مثل هذا التوجه مستحيل على المستوى العالمي، بدعوى أن السياسة تتسم بالمحلية، إلا أن الساسة جميعهم اليوم يعتمدون على الحلول العالمية لإنقاذ ماء وجوههم على المستوى السياسي. وهذا في حد ذاته من شأنه أن يجعل الحلول التي تبدو بعيدة عن متناولنا اليوم من الأمور المسلم بها في المستقبل. إن الوقت ليس في مصلحتنا، فالمشاكل العالمية تتفاقم بسرعة. والعالم يمر اليوم بأعظم أزمة اقتصادية يشهدها منذ عقود. ولقد حان الوقت لكي نقول لزعماء مجموعة الثماني: «ما لم توحدوا جهودكم فلا تكلِّفوا أنفسكم عناء الاجتماع في العام المقبل». وإنه لأمر مُخزٍ للغاية أن نراقب أشخاصاً ناضجين، وهم يجتمعون لمجرد الحصول على فرصة للظهور الإعلامي.* جيفري دي. ساكس | Jeffrey Sachs ، أستاذ علوم الاقتصاد ومدير معهد الأرض بجامعة كولومبيا.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»