الله كفيلك!
مشكلة العمالة الوافدة التي نعانيها ليست وليدة اليوم أو الأمس، بل هي نتاج لنظام عبودي متخلف أنتجته قوانيننا يسمى بنظام الكفيل الذي أثبت فشله على مر السنوات من دون أي تحرك يذكر. وما يؤلم في هذا الأمر اننا نضطر إلى سماع انتقادات دولية على ملف العمالة الكويتي حتى نتحرك، وكأننا عديمو إحساس في دولة أقر دستورها بكرامة الإنسان وآدميته وتنكرت لذلك قوانينه وبعض من ممارسات أبنائه. لدينا دائماً عقدة الكويتي «المنزَّل بقفّه» كما يقول عبدالحسين عبدالرضا، فنحن الأفضل ونحن الأقوى ونحن كل شيء ببساطة، لأن جوازاتنا زرقاء يأتي معها الكثير من المميزات ومنها أن نكون منزهين. إن ما يجري من شراء للناس واستغلال حاجاتهم في الدول الفقيرة من قبل مواطنين كويتيين أمر يدعو إلى الاشمئزاز، فترى «تجار الإقامات» الذين نعرف عديدين منهم يعيشون بيننا يستغلون حاجات هؤلاء المساكين ويجعلونهم يجمعون الأموال لينعموا بحظوة المجيء إلى الكويت والعمل فيها، وكأن الكويت سويسرا، فترى عاملاً مسكيناً دفع مبالغ لا يملكها ليأتي ويعطونه «مخمة» ويأمرونه بكنس الدائري الخامس يومياً... لأن النظافة من الإيمان. هذا الوافد تسلف أموالاً في بلده من «اللي يسوى واللي ما يسوى»، وهو مطالب الآن بجمع الأموال لإرسالها إليهم وبعدها يبدأ طريق بناء مستقبله في جمع الأموال لأسرته. قالوا للمسكين ان راتبك سيكون 70 ديناراً، وبحسبة بسيطة «كسّرها» وعلم أن بعد سنة وأربع أشهر سيدفع ديونه كلها، ويبدأ طريق الكفاح الذي يبدأ كما قلنا من الدائري الخامس.يأتي العامل إلى الكويت ليفاجأ بأن راتبه 30 ديناراً فقط، ويقولون له إن الأربعين المتبقية أخذناها منك لقاء المواصلات والسكن الذي توفره لك الشركة... «شتبي بعد؟»، تبقى الثلاثين ديناراً أفضل بكثير مما كان يحصل عليه في بلده ويرضى بنصيبه. ولا تنتهي الحكاية هنا، لأنه يفاجأ بأن الثلاثين ديناراً باتت حلماً، فتمضي الأشهر من دون أن يتسلمها، فيضطر إلى التسول بجانب إشارات المرور، إلا المسكين الذي كُلِّف بمهمة تنظيف الدائري الخامس، الذي لا يحتوي على أي إشارة!
عندما يفكر صاحبنا في أن يمارس حقه في الإضراب عن العمل الذي لا يلقى أجراً مقابله، ويتفق على ذلك مع مجموعة ممن أصابهم القدر ذاته، تُصاب محطات الوقود والقطاعات الصحية بالشلل، ونكتشف فجأة كم هم مهمون هؤلاء البنغال أو الهنود أو الفلبينيين، وتحن قلوبنا، ويخرج وكيل وزارة الشؤون ليقول إنه سيلحق عقوبات بهذه الشركات التي أتت بالمساكين وجعلتهم يكنسون الدائري الخامس من دون أن يعطوهم الثلاثين ديناراً. تصرف الشركات الرواتب المتأخرة يفرح العامل فرحاً ساذجاً لأنه تلقى 90 ديناراً نظير عمله ثلاثة أشهر من دون عمل، لتعاد الحكاية من البداية... بما فيها تصريح مسؤولي الشؤون. إن الخلل ليس في التعامل غير الإنساني لهذه الشركات فحسب، بل في النظام ككل الذي يمنح الشركة الكويتية أو المواطن الكويتي أفضلية آدمية- بقوة القانون- على العامل، فيملك الحق في حجز جواز السفر ولا يمنح العامل الفرصة بالتظلم في ظل غياب عقوبات رادعة ضد الكفيل.والحل في نظري هو أن يتقدم صاحب العمل بطلب لوزارة الشؤون- أو أي قطاع جديد يتم استحداثه لهذا الغرض- يعلن فيه رغبته في استقدام موظف معين ولا تقبل الوزارة أو الإدارة هذا الطلب إلا بعد التأكد من وجود نقص في هذا المجال في سوق العمل الوطني، ومع ضمان ألا يتسبب استقدام هذا العامل في التأثير على سوق العمل الوطني من ناحية الراتب، مثلاً ألا تأتي الشركة بمهندس بنصف أو ربع راتب المهندس الكويتي، خصوصاً أن هناك وفرة من المهندسين الكويتيين بالمواصفات المهنية نفسها (سنوات الخبرة... إلخ) برواتب أعلى، باستثناء إن كان العامل يحمل إضافة جديدة لقطاع العمل أو مجاله، كأن يكون مهندس «فلتة» له أعمال حققت شهرة أو سمعة عالمية. وعليه، تقوم الوزارة بالموافقة ويقوم صاحب العمل بإيداع صورة من عقد العمل ويتقدم العامل لسفارة الكويت ببلاده للحصول على تأشيرة دخول بحسب مدة العقد وقابلة للتجديد، وذلك بموجب العقد وموافقة الوزارة. وفي حال نقض أحد الطرفين شروط العقد، فبإمكان الطرف الآخر التظلم لدى الوزارة لاسترداد حقه، وتسري الإجراءات ذاتها في حال رغبة العامل في الانتقال إلى عمل آخر داخل الكويت شريطة موافقة الشركة التي يعمل لديها. ويبقى المثلب الآخر في عدم وجود حد أدنى للأجور للعمالة الوافدة ولا قوانين واضحة تحافظ على سلامتهم الجسدية أو تضع شروطاً لبيئة عمل سليمة، وهي تشريعات ضرورية، فلا يجوز أن نغفل طبيعة أجوائنا «الساحرة» في منتصف أغسطس وساعات العمل القصوى لكل عامل، وكم يتقاضى لكل ساعة عمل، وهي أمور تحفظ آدمية الإنسان قبل حقوقه في العمل.هذا المقترح، مهما اختلفت فيه وجهات النظر، فهو ليس من نهج الخيال، بل يأتي من تجارب دول أخرى حصلت على نصيبها في المعاناة مع ملفات العمالة، وبات بعضها من الدول المجاورة كالبحرين والسعودية تخطو خطوات حثيثة لإلغاء هذا النظام، وهذه معاناة نعيشها ويعيشها العمال بشكل أبشع منذ سنوات، نتيجة عدم اكتراث الدولة مادام بقي الدائري الخامس نظيفاً ليبقى العامل ضحية كفيله وقوانين الدولة السخيفة.***خالص الاعتذار للقراء الكرام الذين أمطروني بانتقاداتهم على المقال الأخير ليس على مضمونه كما كنت أود، إنما على خطأ غير مقصود في تسمية النائب السابق سعدون حماد كمنافس للنائب الحالي مبارك الوعلان بالطعن المنظور أمام المحكمة الدستورية، والصحيح هو عضو المجلس البلدي عسكر العنزي لذا اقتضى التنويه، وشكراً على التصويب.