الغريب وقمة التناقض في الموقف الإسلامي أن يسعى حكام المسلمين إلى الحوار مع الآخر خارجياً، ويرفضون الحوار فيما بينهم حول مذاهبهم المختلفة، ويذهب بعضهم إلى تكفير بعضهم الآخر، والتحذير من وجودهم وانتشارهم!! فأي تناقض في ذلك؟

Ad

أعلم أن هذا المقال سيثير غضب البعض وأتمنى أن يستثير فكر الجميع...

إن فكرة حوار الأديان فكرة مبهمة وغامضة، وما يثار حولها أكثر مدعاة للدهشة والعجب، فبداية هل لنا أن نتساءل: هل هو حوار عقائدي حول الدين؟ أم حوار سياسي حول أتباع كل دين وسلوكياتهم واختلاف نظرتهم في الأمور الدنيوية؟

إن الاحتفالية الضخمة المقامة حاليا برعاية الأمم المتحدة وبحضور رؤساء الدول تؤكد أن الحوار ليس عقائديا حول الدين، بل هو سياسي يناقش تصرفات أتباع الدين.

وللتأكيد على ذلك فإن كلمة حوار تعني أن يتقدم كل طرف بحججه وبراهينه من أجل إقناع الطرف الآخر بما يؤمن به، وفي النهاية قد يقتنع الطرف الآخر أو لا، ولكن من الضروري لوصف حوار أن يكون لدى الأطراف المتحاورة استعداد مبدئي للاقتناع برأي الطرف الآخر، وإلا أصبح الحوار «حوار طرشان»، كما يقولون، فهل هذا موجود في حوار الأديان؟ هل لدى أي من المتحاورين استعداد للتخلي عن رأيه حول دينه والاقتناع برأي الطرف الآخر؟ أشك كثيرا جدا في ذلك.

فقد تحدث حكام الدول العربية الإسلامية من فوق منبر الأمم المتحدة عن ضرورة ذلك الحوار وأهميته، بينما كان شيوخهم وفقهاؤهم يلعنون القردة والخنازير من أتباع الديانات الأخرى من فوق منابر المساجد في بلادهم... فأي حوار ذلك الذي يأتيه كل طرف وهو مؤمن بصواب رأيه، وليس على استعداد للاقتناع بالرأي الآخر، بل لا يكتفي برفض الآخر، ولكن ينكر عليه ما يقول... أي حوار هذا؟!

بالتأكيد هذا حوار سياسي بالدرجة الأولى لا علاقة له بالدين، ولنكن أكثر صراحة فهو حوار يعتمده المسلمون فقط للدفاع عن أنفسهم ودفع تهمة الإرهاب عنهم، فهل تصح تسميته حوار الأديان؟ خصوصا لو علمنا أن الكثير من شيوخ المسلمين ينكرون كلمة الأديان نفسها من منطلق الآية الكريمة «إن الدين عند الله الإسلام»، ويقولون إن الإسلام هو دين الرسل جميعا، وهو دين إبراهيم ودين الأنبياء من بعده، وإن سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء ومكمل الرسالة، وذلك تحديدا ما ينكره الآخرون، وليسوا على استعداد لمجرد مناقشته، فعلى أي شيء يُدعى حوار الأديان؟!

كما ذكرت، فالحوار سياسي يهم المسلمون فيه تبرئة أنفسهم أمام العالم الغربي «سياسيا» وليس المسيحي أو اليهودي «دينيا»، بينما يحاول الآخرون إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين.

والغريب... وقمة التناقض في الموقف الإسلامي أن يسعى حكام المسلمين إلى الحوار مع الآخر خارجياً ويرفضون الحوار فيما بينهم حول مذاهبهم المختلفة، ويذهب بعضهم إلى تكفير بعضهم الآخر، والتحذير من وجودهم وانتشارهم!! فأي تناقض في ذلك؟! وهل هذا يليق يا حكام المسلمين؟! وبماذا ستجيبون إذا أثار أحد المتحاورين هذه الجزئية؟! أم أنكم متأكدون من عدم إثارتها لأن استمرارها يسعدهم ويحقق آمالهم؟ أليس الأجدى والأفضل أن نتّحد أولاً ويحترم بعضنا بعضا قبل الدخول في حوار مع الآخر؟

لا أدري ولكنها كما قلت سابقا لعبة السياسة التي أصابت الدين، فهل من دواء يشفي الساسة ويحمي الدين؟