الست الخسرانة
لم يكن الطريق الى الدستور والحكم الدستوري مفروشا بالورود، كما لم يكن الطريق سالكا.الإشكالية الأولى كانت في الاتفاق على عدد الدوائر لانتخاب المجلس التأسيسي، الذي كانت مهمته اصدار الدستور، وتم تجاوزها بحل وسط وهو عشر دوائر، فالتيار الوطني الشعبي كان يريد الكويت دائرة انتخابية واحدة، أما مؤسسة الحكم فكانت تريدها عشرين دائرة فجاءت العشر حلا وسطا.
وعندما بدأت مسيرة الانتخابات لمجلس الأمة عام 1963، لم يكن احد يعلم كيف ستتحرك الكويت الدستورية، وهل ستنجح في التحول من إمارة مطلقة الحكم الى دولة دستورية، السلطات فيها منفصلة، ولا ولاية عامة فيها، بل سلطة مقيدة، لكن الشعور العام السائد كان التفاؤل، وتوقع الأفضل، ولم يدرك المتفاؤلون أن هناك من يتربص بتلك المسيرة ويسعى إلى إفشالها.لكنه لم يطل بنا الزمن لندرك ان المتربصين هم الأقوى، فبدأوا في إصدار القوانين غير الدستورية من خلال مجلس الأمة، وحل المجلس البلدي في 1966 لتبديد 200 مليون دينار على التثمين، وتوجت تلك التوجهات بالتزوير العلني لانتخاب 1967.ولو قسمنا مسيرة الكويت الدستورية الى مرحلتين: الأولى تبدأ منذ اول انتخابات لمجلس الامة في 1963 وتنتهي بفترة الغزو 1990، والمرحلة الثانية هي ما بعد الغزو حتى 2008، لوجدناها تنقسم الى مجموعتين كل مجموعة عبارة عن ستة انتخابات.ولو أمعنا النظر في أحداث الستة الأولى من 1963 حتى ما قبل الغزو لوجدناها ستة انتخابات عانت الامرين من التدخلات السافرة، ما يجعلها "ست خسرانة" بامتياز، وقد بانت مؤشراتها مبكراً بإصدار قوانين غير دستورية وحل المجلس البلدي كما ذكر. العدوان المستمر على تأسيس الثقافة الديمقراطية وترسيخها هو الذي اوصلنا الى ما نحن فيه من ترد، وتدهور، وتراجع، بما في ذلك مستوى الاداء المتهالك للعديد من نواب مجلس الامة حتى في ايامنا الحالية.أما كيف كانت اولى الانتخابات خسرانة بامتياز فسيتضح في المقالة القادمة، لعلنا ندرك ان تخريب الديمقراطية كان عملا منهجيا ومستمرا حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه الآن من حالة احباط وشعور بالعجز وعدم الانجاز، وهي حالة ليست الا نتيجة لخسران الست.وللحديث بقية كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء