من دون الدخول في تعريفات نظرية مختلفة ومتباينة لاختلاف الثقافات وتنوع المجتمعات حول ماهية الإرهاب؟ والتزاما بالهدوء والعقلانية اللذين التزمنا بهما في مناقشة «هوامش» حرب غزة، وتطبيقا للواقع الفعلي نتساءل: هل «حماس» إرهابية؟

Ad

إذا كان الإرهاب يعني قتل المدنيين دون النظر إلى أي صفة أخرى (محتل- قاتل- ظالم) فإن «حماس» إرهابية، وكذلك إسرائيل والولايات المتحدة. وإذا كان الإرهاب يعني عدم مد يد العون لمن يحتاجه إنسانيا سواء كنت على اتفاق أو خلاف معه فإن «حماس» إرهابية وكذلك مصر، بل المنظمة الدولية «الأمم المتحدة» نفسها إرهابية.

وإذا كان الإرهاب يعني رفض الآخر والتعامل معه بالرصاص بديلاً للحوار فإن «حماس» إرهابية وكذلك «فتح» إرهابية وباقي المنظمات الفلسطينية كذلك.

وإذا كان الإرهاب يعني اعتقال المعارضين والزج بهم في السجون فإن «حماس» إرهابية، وكذلك أنظمة حكم عربية وحكام عرب إرهابيون أيضا.

إن الواقع الفعلي يؤكد أن «حماس» نتاج طبيعي بفعل البيئة والثقافة لأنظمة الحكم العربية، فإذا كانت الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي وإسرائيل إرهابية فكيف نطالب «حماس» بألا تكون إرهابية؟! فهي نموذج لعصر أجبرت فيه جميع الدول على تأييد الإرهاب الأميركي والإسرائيلي فكيف نطالبها بألا تكون إرهابية؟!

إن إرهاب «حماس» وليد تزاوج بين الإرهاب العالمي الذي تمثله الولايات المتحدة وإسرائيل، والإرهاب المحلي الذي تمثله أنظمة عربية، فهل يمكن لمثل هذا التزاوج أن يلد حمامة سلام؟! لا يمكن مطالبة «حماس» وسط هذا الجو المشبع بالإرهاب أن تدفع بالحكمة والموعظة الحسنة أمام أطراف لا يفهمون سوى لغة البطش والظلم والإرهاب... «قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا» (الإسراء 95).

لن أتحدث عن حركات التحرر والاستثناءات التي تلزمها بها طبيعتها التحررية القتالية... ولن أتحدث عن «فتح» نفسها في بدايتها، وما كانت تقوم به إلى أن اكتسبت القبول الدولي، ووقف ياسر عرفات على منبر الأمم المتحدة وفي يده غصن زيتون وفي الأخرى بندقية للتعبير عن حركته التحررية، ولكني أتساءل: هل الإرهاب يعني قتل المدنيين الإسرائيليين فقط؟ وهل قتل أطفال غزة يعني تأديبا وإصلاحا وقتل أطفال اليهود ظلما وإرهابا؟! وهل يعني قتل المدنيين اليهود إرهابا وظلما وقتل النساء الفلسطينيات سلاما وعدلا؟!

لماذا يطالب البعض «حماس» بالمستحيل فإذا عجزت عنه صرخوا وهللوا ها هي «حماس» الإرهابية؟ ولماذا تغضون البصر عن حقيقة ما يدور حولنا وتتخفون وراء تعريفات نظرية وأوهام من أجل الانتقاص من قيمة «حماس» وطبيعة وجودها وشرعية مقاومتها للمحتل؟

إن مطالبة «حماس» بحديث الحكمة وسط عالم يتنفس الإرهاب، بل يؤيده خوفا من بطشه... أشبه بمطالبة إنسان بالالتزام بتعاليم المسيح في وقت يُضرب فيه ليس فقط على خده الأيمن بل على خديه ورأسه و«قفاه» فهل هناك من يلتزم بهذا الآن؟!

إن القضية ليست هل «حماس» إرهابية أم لا، ولكن القضية كيف يمكن تحقيق العدل والسلام لأطفال ولدوا تحت الحصار والاحتلال؟ أطفال لا يجدون المأوى والمأكل؟ أطفال تيتموا ونساء ترملن كيف يشعرون بالأمان... والسلام؟