إن حركة الإخوان المسلمين اليوم قد بلغت من التطور أن صارت كيانا ضخما معقدا، ما عادت ترتبط أجزاؤه بقيادة مركزية كما كانت في السابق، بل صار لها العديد من الأطراف التي تدير أمورها وتتحرك بكثير من الاستقلالية التنظيمية والمالية، إن لم يكن باستقلالية مطلقة عن المركز.يعتقد البعض أن الإخوان المسلمين قد تعرضوا، من خلال ذراعهم السياسية الحركة الدستورية الإسلامية «حدس»، إلى ضربة مُدمية في الانتخابات الماضية تمثلت في تقلص نوابهم من ستة إلى ثلاثة، بل وصل الأمر إلى تنبؤ البعض بأنها قاصمة تدل على بدء انحسار المد «الإخواني» في الكويت، وأن المجتمع أعلن رفضهم ولفظهم، وفي اعتقادي أن هذا التصور بعيد كل البعد عن الصحة.
يمكن لنا أن نقول بذلك إن نحن اختزلنا كل حركة الإخوان المسلمين في الكويت في قارورة «حدس»، وجعلنا من كل عملهم الطويل العريض الممتد عبر سنوات طويلة، نشاطا سياسيا برلمانيا مجردا، ولكنه سيكون خطأ كبيرا يقع فيه أي راصد إن هو اعتبر «الإخوان» مجرد حركة سياسية تسمى «حدس»، وسيصبح الخطأ فاحشا أو ربما قاتلا، إن كان من سيقع فيه هو أحد المنتمين إلى التيارات المنافسة للإخوان.
إن انتشار تيار ما على أرض الواقع لا يمكن قياسه إلا برصده على كل مستوياته، ولا يصح البتة أن يجري اختزاله في المستوى السياسي، خصوصا ونحن نتكلم عن حالة الكويت التي لا تمثل فيها الواجهات السياسية البرلمانية إلا تعبيرا قاصرا غير مكتمل عن حقيقة من خلفها، والعقلاء يعرفون أن الانتخابات البرلمانية بشكلها الحالي لا تعكس حقيقة الانتشار السياسي لأي فئة بقدر ما تعكس أسلوب هذه الانتخابات المرتبط بالعديد من العوامل الأخرى الأكثر تأثيرا من التوجه السياسي للمرشح.
لذلك فمن المهم أن نتذكر دوما أن هذه الحركة، وبغض النظر عن نتيجتها الانتخابية الأخيرة، حركة راسخة في واقعنا، ووجودها واضح بلا أدنى جهد على مختلف الصعد في قائمة طويلة متطاولة، إن نحن بدأنا سردها فلن ننتهي منها سريعا. إنها موجودة بشكل محترف وثقيل على كل الصعد، من خلال مؤسسات سياسية واقتصادية ومالية وإعلامية وثقافية وبحثية وخيرية وطلابية وتربوية، سواء بأشكال حكومية أو خاصة أو حتى شعبية.
إن حركة الإخوان المسلمين اليوم قد بلغت من التطور أن صارت كيانا ضخما معقدا، ما عادت ترتبط أجزاؤه بقيادة مركزية كما كانت في السابق، بل صار لها العديد من الأطراف التي تدير أمورها وتتحرك بكثير من الاستقلالية التنظيمية والمالية، إن لم يكن باستقلالية مطلقة عن المركز. وهذا الشيء في حقيقة الأمر ليس بدليل ترهل وشيخوخة للحركة، إنما على العكس، دليل على الرسوخ والقوة الضاربة التي تفتقر إليها أغلب، بل ربما كل تياراتنا المجتمعية الأخرى.
أنا واثق بأن حركة الإخوان، وبالرغم من نتائجها الانتخابية الأخيرة، ستستمر في التمدد المجتمعي على كل الصعد بنفس الخطوات الثابتة المعروفة، ولا أشك أيضا بأنها ستتمكن من تجاوز عثرتها الانتخابية، وسنجدها وقد عادت إلى الاختراق السياسي من جديد. ستقوم بذلك، ولو تطلب الأمر منها العمل على تغيير النظام الانتخابي بأسره والدفع باتجاه الانتخابات الحزبية من خلال الدائرة الواحدة، وهو الأمر الذي كانت تتلكأ فيه في السابق لعدم توافقه مع حساباتها السياسية آنذاك.
سأختم هنا لأعترف بأن حركة الإخوان المسلمين في الكويت، هي مدرسة كبيرة يجب أن يتعلم منها الآخرون، من المخالفين قبل المؤيدين، وأن خلايا هذا الكيان العضوي الضخم، قد أثبتت دائما بأنها خلايا متجددة لا تشيخ ولا تتعب ولا تنام، في حين يشيخ ويتعب وينام الآخرون!