الطامة الكبرى عندما اطلعت على مقالات حديثة، وكذلك رسائل علمية تذكر غزو الكويت ومسرحية «الحكومة الثورية المؤقتة» على أساس أن من شارك فيهما «فتية آمنوا بربهم». ولم يسلم من ذلك الدجل والتضليل كتاب مؤثرون على شاكلة محمد حسنين هيكل، وعلى الأخص في كتابه الذي أصدره بعد تحرير الكويت بعنوان «أوهام القوة والنصر».أصدرت سلطات الاحتلال إبان فترة الغزو جريدة يومية أطلقت عليها اسم «النداء». وسبب التسمية يعود إلى محاولة إيهام الناس بأن يوم غزو الكويت كان يوم «النداء العظيم»، وهو اليوم الذي قامت فيه مجموعة من «الضباط الأحرار الكويتيين» بالانقلاب على حكومتهم، ومن ثم توجيه النداء إلى شقيقتهم العراق لإنقاذهم وإسنادهم للتصدي لمحاولات «الحكومة العميلة» (المقصود طبعا حكومة الكويت) لاستعادة حكمها البائد،
كنا ندرك جيدا أن «يوم النداء الأغر» لم يكن إلا جزءا من مسرحية ركيكة ألفها وأنتجها وكتب السيناريو والحوار وأخرجها المخرج المعروف صدام حسين، ولكن الطامة الكبرى عندما اطلعت على مقالات حديثة، وكذلك رسائل علمية تذكر غزو الكويت ومسرحية «الحكومة الثورية المؤقتة» على أساس أن من شارك فيهما «فتية آمنوا بربهم». ولم يسلم من ذلك الدجل والتضليل كتاب مؤثرون على شاكلة محمد حسنين هيكل، وعلى الأخص في كتابه الذي أصدره بعد تحرير الكويت بعنوان «أوهام القوة والنصر».
ومع أن حملة وسيناريو التضليل كانت تتم بشكل مبرمج، فإنها لم تكن تخلو من مفارقات بعضها من النوع المضحك، فمن المعروف أن جريدة «النداء» قد احتلت مبنى جريدة «القبس» واستخدمت مطابعها، وكان لافتا تميز طباعة «النداء» عن زميلاتها «الثورة» أو «الجمهورية».
وقد دأبت «النداء» طوال فترة إصدارها على نشر ما ادعت أنها وقائق تكشف «فضائح النظام البائد»، وكان أغلب تلك الوثائق هو أوراق ومراسلات رسمية للحكومة الكويتية، وحيث انه من المحتمل أن تكون بعض تلك الوثائق صحيحة، فحكومتنا آنذاك على أي حال كانت تتخبط في مسارها وسلوكها، ولكن من المؤكد أن أغلبية تلك الوثائق قد تم تأليفها وصياغتها من قبل سلطات الاحتلال، وقد استخدم هيكل بعضاً من تلك الوثائق في كتابه المذكور على أساس أنها وثائق خاصة حصل عليها. إحدى تلك الوثائق مثلا حملت تاريخ 30 فبراير، وحيث انه لا يوجد تاريخ معروف للبشر كذلك التاريخ، فشهر فبراير عادة ما يكون 28 يوما، وفي أحسن حالاته يكون 29 يوما وذلك في السنة الكبيسة، أما 30 فبراير فهو تاريخ غير موجود، ويبدو أن السبب يعود إلى أن الشخص المكلف بتزوير تلك الوثيقة لم يكن يعرف ما هو شهر فبراير، إذ إنه قد تعود على أن اسمه هو «شباط»، وحيث ان شهور السنة الميلادية كلها إما 30 وإما 31 يوما، باستثناء فبراير، فلم يتصور أنه سيرتكب ذلك الخطأ في التزوير، فكان في ذلك دلالة ما بعدها دلالة على حجم التضليل الوثائقي الذي استخدم في جريدة «النداء».
وتوقفت جريدة «النداء» عن الصدور قبل حوالي شهرين من تحرير الكويت، ربما لم يلاحظ ذلك كثيرون، ففي أواخر ديسمبر وأثناء عبورنا اليومي على إحدى «نقاط السيطرة»، فاجأني الضابط بسؤال غريب إن كانت جريدة «النداء» بحوزتي... وبعد أن أجبته بالنفي، سألته عن سبب سؤاله فكان رده أكثر غرابة، إذ أوضح أن لديه أوامر من القيادة العليا بسحب الجريدة من الناس، وبذا تكون جريدة «النداء» لها السبق لكونها الجريدة الأولى، ربما التي تسحبها السلطة التي أصدرتها.
وقد حرصت إثر ذلك على الحصول على العدد لأكتشف السبب، وهو مقال مترجم عن مجلة أميركية تتحدث فيه عن الاستعدادات الجارية لتحرير الكويت واستكمال مكونات الهجوم لإخراج الغزاة، وأن الشباب الكويتي المتطوع قد أنهى تدريباته بروح معنوية عالية لتحرير بلاده، كان نشر ذلك المقال خطأ قاتلا من منظور القيادة العراقية، وبالطبع فقد تمت محاسبة المترجم بالطريقة الثورية المعهودة والمتعارف عليها لدى صدام وعصابته.
كان ذلك هو آخر عدد لجريدة «النداء»، وكانت نهايتها هي بداية النهاية للاحتلال وأجهزته المضللة.