أيُّ بطولة هذه؟!
«الجوقة» نفسها التي طبَّلت وزمَّرت لـ«أم المعارك» هي التي تطبل وتزمر الآن لـ«أم القنادر»، فالمفلسون نضالياً وسياسياً الذين كانوا حولوا هزائم صدام حسين وموبقاته إلى انتصارات وبطولات لم يجدوا لخوائهم الداخلي وخيبتهم إلّا حذاء صحافي، خانه قلمه وخانه لسانه فاستبدل بهما حذاءه، ليرفعوه علماً لأمة ركضت وراء أعلام مزيفة ومزورة سنوات طويلة، فكان كل هذا الذي نراه من الصومال إلى العراق، ومن غزة حتى الضاحية الجنوبية من بيروت... وحتى دارفور في السودان. ما هي البطولة في ان يستبدل صحافي لسانه بحذائه، وأن يتخلى عن شرف المهنة، وأن يستغل فسحة الحرية، التي وفرها الغزو الأميركي لبلده للأسف، ليهاجم رئيس الولايات المتحدة، الذي لأنه نبت في بيئة تسامح وديمقراطية واجه مهاجمه بالمزاح، ولم يتفوه ضده ولا بكلمة نابية واحدة.
ويا تُرى... ماذا لو أن الزمن عاد إلى الخلف في اللحظة التي سبقت خَلْعَ هذا «البطل القومي!!» نعله لإلقائه في اتجاه جورج بوش بمقدار ستة أعوام، وكان الذي يقف الى جانب رئيس الولايات المتحدة ليس نوري المالكي، وإنما عبد حمود مرافق صدام حسين، أو طه الجزراوي، أو عزت الدوري، أو حسين كامل قبل ان يفر بجلده الى الأردن ويعود لاحقاً إلى بغداد ليلاقي مصيره الأسود، فهل كان يستطيع منتظر الزيدي أن يداعب أحد هؤلاء بإلقاء وردة جورية في اتجاهه وليس بإلقاء حذائه الذي حوَّله المزايدون وأصحاب البطولات الرخيصة الى علم للأمة العربية المسكينة...؟! إنه كان على كل النقابات الصحافية ونقابات المحامين، التي حوَّلت مشهداً قبيحاً لا بطولة فيه ولا ذوق ولا أخلاق إلى «أم معارك» جديدة والى «ذي قار» أخرى، ان تتذكر أن مهمة هذا الصحافي الشاب هي أن يحاصر جورج بوش بالاستجوابات، وأن يرشقه بألوف الأسئلة التي تدور في الشارع العربي والشارع الأميركي أيضاً وليس لا بحذائه ولا بأي شيء آخر. ماذا سيقول هؤلاء «الصدَّاحون»، وبخاصة أولئك الذين من المفترض أنهم من أبناء مهنة القلم والحبر وعدسات كاميرات التصوير، إذا رُفع الغطاء بعد هذه الحادثة عن الصحافيين وباتوا يعاملون في الدوائر وفي المؤتمرات الصحافية وفي كل مكان معاملة قراصنة الصومال، وأصبح عليهم حتى يسمح لهم حضور مؤتمر صحافي ان يخلعوا أحذيتهم وربما سراويلهم الخارجية والداخلية؟!... إنه إذا كان هذا هو واقع الأمة وهؤلاء هم أبطالها وهذه هي معاركها فويل لها من أمة!!. إن هذا الشاب، الذي قام بهذه «البطولة» المنزوعة الدسم والرخيصة، بهدف جلب الأضواء الى نفسه والذي ربما استغلت جهةٌ «ما» هذه النزعة لديه ودفعته الى هذا العمل الطائش، كان يعلم سلفاً انه يعيش زمناً جديداً غير زمن «أم المعارك» وغير زمن: «يا محلى النصر بعون الله»، وأن ديمقراطية الاحتلال الأميركي سوف توفر له الحماية تجاه أي عقوبة قاسية، ولذلك فإنه قد قام بما قام به وهو يحلم بأنه سيتوج بطلاً لأمة تبحث عن البطولات، وبأن نعله سيصبح علماً لهذه الأمة!!* كاتب وسياسي أردني