الاستجواب حق دستوري مطلق دون «لكن»، و«ربما»، و«لو أن»، وهو على اي حال «سؤال مغلظ». بالطبع بالامكان مناقشة وحتى الاعتراض على فحوى أو توقيت هذا الاستجواب او ذاك. من يرد ان يستجوب وزيرا او رئيسا للوزراء فلا تثريب عليه، كما ان من قرر انتقاد المستجوب او المستجوبين ايضا لا غبار عليه.

Ad

وتكمن الاشكالية في أن تراثنا «الاستجوابي»، إن جاز التعبير، قد جعل من اي استجواب مشروعا لأزمة، يبدأ بحشد المناصرين على الضفتين المعارضة والمؤيدة، حيث جرى العرف أنه حالما يتم الاعلان عن الاستجواب، فإن العين تذهب بعيدا الى ما وراء ذلك وهو طرح الثقة، وهو بالمفهوم السياسي ازمة حقيقية، أما الاستجواب فليس كذلك.

الطقوس الاستجوابية اصبحت مملة ومكررة، تشعرك بأن البلاد داخلة في حرب ضروس، يعرض فيها اصحاب الاستجواب اوراقهم، وتصورهم للصحف، ويبدأ بعدها اختطاف البلاد لفترة من الزمن، ويتحول المجتمع كليا الى مجتمع استجوابي، ينام ويصحو ويغفو ويتغدى ويتعشى بالاستجواب واخباره.

كنت ومازلت مؤيدا الاكثار من الاستجوابات حتى تصبح امرا اعتياديا، ونخفف من حدة التجاذبات التي تتم حولها، وربما حتى تحويلها الى شفوية، وقد حضرت وتابعت اجراءات الاستجوابات في العديد من برلمانات العالم، فلم اجدها تخلق ازمة سياسية الا في الكويت، بل إن بعض البرلمانات تجد فيها اكثر من استجواب في الاسبوع احيانا.

صحيح أننا في الازمة الاستجوابية الحالية نتحدث عن محطة تاريخية لأن المستجوب هو سمو رئيس الوزراء، لكنها وبغض النظر عن ملابساتها، تأتي في ذات السياق. استجواب يخلق ازمة. بينما من المفترض ان تكون الازمة الحقيقية في طرح الثقة او اعلان عدم التعاون في حالة رئيس الوزراء، وهي مرحلة لاحقة للاستجواب.

ومما يؤسف له انه حالما ينتهي الاستجواب لا تجد من يتابع التوصيات التي اقرها المجلس لاصلاح الخلل.

لا يفترض في الاستجواب، اي استجواب، ان يخلق ازمة، ولا اظنها الا تعبيرا عن حالة الضعف العام لنظامنا السياسي الذي يعاني ازمة في نهج التفكير تؤدي ضمن ما تؤدي الى الهروب من الاستجواب بحل المجلس.

هناك حاجة الى تخصيص جهد برلماني وحكومي مشترك للتعامل مع الامور بحجمها الطبيعي، أما ان تتحول اي حركة او «سؤال مغلظ» الى اختطاف للبلد، فإن ذلك ليس الا مؤشرا على هشاشة عظام سياسية تتجاوز بمراحل الاستجواب وطقوسه.