المكتبات العامة تُحتَضَر ... فمن ينقذها؟ تراجع دور المكتبة جزء من التراجع المسرحي والفني والثقافي في الكويت

نشر في 27-06-2008 | 00:00
آخر تحديث 27-06-2008 | 00:00
غالباً ما تكون المكتبة العامة والعاملون فيها، مجالاً للتندّر في مجتمعنا الكويتي، فالمبنى يوصف بالقديم أو المخزن المليء بالغبار، اما الموظفون، فليس لهم أي بريق اجتماعي وينظر إليهم على أنهم مصورو مستندات!

المكتبة العامة... أول انطباع يمكن ان يجول في ذهن من يريد الذهاب الى مكتبة عامة في الكويت هو انها مكان قديم، غير متطور، وقد يخرج منه بخفّي حُنين بسبب عدم مواكبتها التطور المتسارع في عالم النشر وامناء الكتب الحديثة والدوريات، وتسخير مفهوم المكتبة الرقمية.

وفي الكويت 27 مكتبة فقط، اصاب 9 منها فيروس النظام الآلي. أما خدمة الانترنت فلها شروط استخدام لافتة، حتى لا يقع مرتادو المكتبة في «الرذيلة» عبر الابحار في الشبكة الالكترونية!... واصبح من ينوب عنهم في البحث احد موظفي المكتبة، وبعملية حسابية فإن عدد المواطنين حتى تاريخ 30 ديسمبر 2007 من عمر 14 سنة فأكثر بلغ 645 الفا و618، وبمقابلة هذا العدد بالمكتبات المتوافرة في الكويت سنخرج بنتيجة هي: ان كل 24 الف مواطن تخدمهم مكتبة واحدة في الغالب ستكون بالية وقديمة شكلا وكتبا!

أزمة المكتبات العامة في الكويت

تفتقر المكتبات العامة في الكويت التي كانت في السابق تحت رعاية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وتم نقلها الى وزارة التربية والتعليم، الى الكثير من عوامل الجذب والتأثير في المحيط الذي توجد فيه، ففي المجال الثقافي والتعليمي، لا يكاد يوجد نشاط معروف بشكل موسمي مستمر في مجالات محددة، كالتشجيع على كتابة القصص والقصائد، او ادارة حلقات القراءة.

وفي مجال التطوير التقني واللحاق بمستجداته العلمية، هناك قصور واضح في مفهوم التطوير الرقمي والمعلوماتي الالكتروني، فالفهم السائد للتحول نحو هذا الاتجاه تم اختزاله فقط في توفير خطوط هواتف لاستخدامها في تشغيل الشبكة المعلوماتية الالكترونية (الانترنت)، اضافة الى تطبيق نظام (الافق) في ادارة المكتبة من زاوية التصنيف الالكتروني لموجودات المكتبة، ونظم الاستعارة والاسترجاع وغيرها من الاجراءات، ونظام الافق هذا لم يشمل سوى 9 مكتبات من اصل 27 مكتبة عامة، وتتخلف معظم المكتبات عن استخدام تقنية المعلومات التي تخدم العمل في المكتبات بغير وسائل الكتب الدوريات، ومثال على ذلك الافلام والكاسيت والاقراض المدمجة، او ما يسمى بالوسائل السمعية والبصرية، وهو ما يشكل قصورا في مواكبة التحولات المعاصرة للحصول على المعلومة بسهولة ويسر.

اما في مجال الدعم اللوجستي للمكتبات، فان الفقر واضح وكبير في مجال رفد هذه المؤسسات بالمتخصصين بعلوم المكتبات، اضافة الى قلة الدعم المادي الذي ينعكس على طبيعة الخدمات التي تقدمها للزوار والمرتادين، وهاتان القضيتان تعكسان طبيعة الاهتمام والفهم لدور المكتبة لدى المسؤولين في وزارة التربية، وهي نظرة بحاجة الى تغيير من خلال المبادرات.

وهناك جانب آخر لا يقل اهمية عن العوامل الاخرى في مجال تطوير المكتبات وجذب الناس اليها، يتعلق بالتصميم الخاص بالمكتبات، فمعظم المباني الحالية اصبحت متهالكة وذات تصاميم انشائية لا تلائم الدور الجديد الثقافي والحضاري المأمول لمثل هذه المؤسسات، وقد كتبت العديد من البحوث والمؤلفات بشأن الدور الذي يلعبه التصميم في دعم رسالة المكتبة العامة، بدءاً من التدقيق على المساحة الكلية للمكتبة والموقع الملائم والتجهيزات اللازمة، فهناك علاقة وثيقة بين شكل المكتبة والرغبة في ارتيادها. فعلى سبيل المثال لو اخذنا نموذج بناء المكتبات العامة في منطقتي العديلية والفيحاء، والذي مر عليه عقود من الزمن، فان اي زائر لمركز المنطقة لن يشعر بوجود المكتبة، اذ ان تصميمها لا يختلف تماما عن تصميم مركز البريد او افرع بعض الوزارات التي غالبا ما تتميز بتهالك مبانيها.

وتفتقد معظم المكتبات العامة الى رونق المساحات الخضراء المحيطة بمبانيها واناقة التصميم الداخلي الذي يتيح لشرائح مختلفة من الاعمار للاستفادة من المكتبات، اضافة الى قلة الدعم المادي الذي ينعكس على طبيعة الخدمات التي تقدمها للزوار والمرتادين. كما تفتقد التصاميم بشكل عام الى المتطلبات العصرية لانشاء المكتبات، مثل المقاهي والكافتيريات الملحقة، والتصاميم الداخلية الجميلة وانظمة الاضاءة واللوحات الارشادية ودورات المياه والاثاث الملائم ورفوف الكتب الحديثة، وغيرها من المتطلبات التي تساعد في جعل المكتبة العامة مكانا ملائما ومريحا لقضاء ساعات من اليوم من دون ملل.

الحالة الثقافية العامة

إن بحث حال المكتبة العامة كمؤسسة اشعاع ثقافي وتعليمي وترفيهي بشكل معزول، يعد شيئا من التسطيح واعطاء نظرة غير صحيحة وواقعية للموضوع. فهناك عدد من العوامل جعلت المكتبة مكانا منفّرا للجمهور الذي يفضل نوعا من الارتباط المصلحي، مثل انهاء الفروض المدرسية او اجراء بحث جامعي او غيرها من الامور، فالوضع الذي تعيشه المكتبات الكويتية العامة اليوم يدعو إلى الاسف، وليس صحيحا ان دخول الانترنت في عالم التزود بالمعلومة قد قضى على فكرة المكتبة العامة، وان كان لا يمكن حجب طبيعة هذا التأثير، الا ان الاسلوب التربوي الذي تعتمده المدرسة والجامعة والكليات في عملية التعليم لم يعد يشجع ويدفع نحو التعليم الذاتي، والرغبة في الاطلاع، فقط ارتبطت هذه السلوكيات بالمصلحة كما ذكرنا، في شكل انهاء فروض وواجبات مدرسية او بحثية.

الجو الثقافي العام الذي تعيشه الكويت اصبح مريضا ولم يعد قادرا على العطاء، فلا الحركة المسرحية او الفنية او الثقافية تعيش حالة بداية تأسيس الدولة الدستورية، وتحديدا في عقدي الستينيات والسبعينيات اللذين ولّدا اجواء حريات عامة متسعة ومواتية لخلق بيئة ثقافية قادرة على اكتشاف المواهب وابراز الانشطة المختلفة التي تخدم المفهوم العام للثقافة، ومن بينها الدور المنوط بالمكتبات العامة كجزء من الحالة الثقافية العامة.

العسعوسي: إعادة تبعية المكتبات العامة إلى المجلس الوطني ستطوّرها

ذكر مدير ادارة الموسيقى والتراث في المجلس الوطني محمد العسعوسي، ان المكتبات العامة في الكويت كانت في البداية تابعة لوزارة التربية، ثم انتقلت هذه التبعية الى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عندما كان يتبع مجلس الوزراء، وعندما انتقلت تبعية المجلس الوطني الى وزارة الاعلام في بداية الثمانينات، نقلت تبعية المكتبات العامة الى وزارة التربية.

واضاف في حديثه لـ«الجريدة»، ان تبعية المكتبات للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ستزيدها اهتماما وستزيل عنها صفة (المكتبات المدرسية) السائدة الآن، بحكم كون المكتبة مركز اشعاع ثقافي وعلمي، وليس مكانا لتخزين الكتب.

نداء من مكتبة العدان

بدر العجمي موظف في مكتبة العدان، وهي مكتبة بنيت حديثا، اي انها من الجيل الثاني الذي يعتمد على تصميم مغاير -ولا نقول حديثا- عن التصاميم المتهالكة للمكتبات الاخرى القديمة، يقول بدر ان اهتمام الدولة بالمكتبات يكاد يكون ضعيفا وبحاجة الى دعم مادي ومعنوي اكبر، ويضيف ان فكرة مرتادي المكتبات عن هذه المؤسسات لا تفرّق بين المكتبة العامة ومراكز خدمة الطالب التابعة للجمعيات التعاونية التي تقدم خدمات التصوير والطباعة، ويصل الامر احيانا الى ان بعض اولياء الامور يبعثون الخدم او السائقين الشخصيين لطلب معلومات او مصادر كتب لابنائهم وكأننا في جمعية تعاونية!

بيان «اليونيسكو» الخاص بالمكتبات العامة

صدر ما يسمى بالبيان الرسمي لـ«اليونسكو» الخاص بالمكتبات العامة عام 1949، واكد على تزايد اثر المكتبة العامة في المجتمع الذي ظهر في كثير من الصيغ، ومنها تكوين عادة القراءة لدى الانسان في سن مبكرة، وتحفيز التحصيل والابداع، والحض على معرفة التراث الثقافي، وتقدير الفنون والاسهام في برامج محو الأمية، وتشجيع الحوار بين الثقافات، وتأييد التنوع الثقافي.

مجتمع المعلومات

وضع الاتحاد الاوروبي 3 محاور رئيسية لإزالة التحديات التي تساهم في تكوين مجتمع معلومات فاعل، وهي:

• التزام الدول بقواعد خدمات معلوماتية اساسية ووضعها تحت تصرف جميع الناس.

• تكوين مراكز محلية لتحصيل هذه المعلومات، كالمدراس والمكتبات العامة.

• توظيف الإعلام للتوعية بأهمية الخدمة المعلوماتية وترسيخها في النشء.

«الكتاب إلى الباب» ... في مملكة السويد

تعتمد مملكة السويد نموذجا يُحتذى في مجال المكتبات العامة، ففيها قانون خاص للمكتبات يفرض انشاء مكتبة في كل محافظة تتبعها فروع عديدة في المنطقة التي تشملها المحافظات، وتقدم المكتبات العديد من البرامج المرادفة للعمل الأساس للمكتبة مثل عروض الاطفال المسرحية، وقص الحكايا لهم، وزيارات المؤلفين لتلك المكتبات لعمل حوارات مباشرة مع مرتادي المكتبات، اضافة الى نشاط قراءة نصوص الشعر.

ويتم تقديم خدمة (الكتاب الى الباب) للمعاقين وكبار السن، بالإضافة الى مايسمى بنظام (المكتبة المتنقلة)، حيث تتنقل مكتبات كاملة في سيارات مخصصة لهذا الغرض، لتكون الكتب في متناول الجميع.

وتوجد في مملكة السويد 290 مكتبة رئيسية، ويصل عدد أفرعها إلى 1100 فرع، أما المكتبات المتنقلة فيصل عددها إلى 9009، إضافة إلى 10 مكتبات داخل المستشفيات والمصحّات العامة.

back to top