النضج الدبلوماسي ولهيب الحرب الباردة
لا أعتقد أن مدينة عانت من «الهزات السياسية» مثل ما عانته «بلاد الأباظة»... وهو الاسم القديم، لمنطقة «أبخازيا» الواقعة على حدود جورجيا الغنية بالموارد المعدنية، والمطلة على البحر الأسود.«أبخازيا» وفي ظل الأزمة الروسية الجورجية الحالية، تصر على تحدي مفاهيم السياسة الدولية بتطبيقها نظرية الاعتراف الأحادي، أي نيل إقرار الاعتراف بالسيادة والاستقلال بعيدا عن أنظار الأمم المتحدة، والتصرف كدولة ذات سيادة، وليس ذلك بجديد، فتاريخ الزلازل السياسية قديم في المنطقة، إذ بدأ منذ أن حاول الأبخاز عام 1990 التصرف كإقليم مستقل، تصرفا استفز الجورجيين، الذين يصرون على أن أبخازيا «صناعة روسية»، استحدثت لتقوم بدورها كأداة ضغط على جورجيا، أما الاعتراف الروسي بأبخازيا فقد تم عن طريق إصدار قرارات روسية، من مجلس السوفييت الأعلى، حتى أن إدوارد شفرنادزة الرئيس الجورجي الأسبق الذي قاد الدبلوماسية الروسية، أثناء الغزو العراقي للكويت، وحتى انهيار الستار الحديدي، اتهم شفردنازه الروس بدعم الثوار الانفصاليين الأبخاز، وتنبأ بأزمات قادمة إن لم تحل الأزمة في مراحلها الأولى.
أما نجوم المشهد السياسي «التفاوضي» اليوم، فهم، برأيي، أولا ميخائيل ساكشفالي، حاكم جورجيا الذي أوصلته «ثورة الورود» إلى السلطة قبل عدة أعوام، وأهم أحلامه هو الانضمام إلى حلف الناتو، فيصبح بذلك الناتو على الحدود الروسية، والابتعاد عن الهيمنة الروسية على الجمهوريات السابقة السوفيتية... والطرف الثاني نيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي الذي منذ أن ترأست بلاده الاتحاد الأوروبي لم تغب عنه التغيرات التي تمر بها القارة الأوروبية مسببة الصداع الروسي، كموضوع بولندا والصواريخ البالستية، والدعم الغربي لاستقلال كوسوفو الذي جلب الغضب الروسي، ومصدر إزعاج لحليفتها البلقانية صربيا.ساركوزي طالب بتدويل المفاوضات وطرح خطة تتضمن الوقف الفوري لإطلاق النار بين الأطراف المتنازعة وعودتها الى مواقعها السابقة، فترة ما قبل النزاع ونشر قوات سلام دولية. أما الطرف الثالث فهو روسيا التي ترى رفض الوساطة الفرنسية وتدعو إلى مفاوضات ثنائية مباشرة بين جورجيا والأقاليم الانفصالية،أما بعض اختصاصيي الأزمات والكوارث في المراكز البحثية الروسية والألمانية معا فيرون أن القضية الجورجية مزمنة، ومجلس الأمن لن يمنح الشرعية لاستقلال الأقاليم الانفصالية، والطرف الخاسر هو الاستثمار الاجنبي في المنطقة ولفت النظر للترويج لأفكار شفردنازه، وحلوله المطروحة قبل ثورة الورود التي استقال من بعدها.وأخيرا فالاستقلالية والسيادة أمران متلازمان، سواء كان ذلك في الأقاليم الروسية أو غيرها من الأقاليم الانفصالية الأخرى في العالم، والاضطراب في الأقاليم الأباظية والأوتيسية لم يكن إلا تعبيرا عن غضب روسي من استحواذ غربي «قبلة الدول النفطية القادمة» منطقة البحر الأسود وانطلاقا من مقولة «أهل مكة أدرى بشعابها»، فمن يدري لعل شفردنازه أو الثعلب الأبيض كما يطلق عليه أدرى بشعاب جورجيا وأقاليم الجوار.*** كلمة أخيرة: قرأت تصريحا لأحد النواب... أعلن من خلاله «رضاه الشخصي» عن مشروع ضخم كالمصفاة النفطية المتنازع عليها برلمانيا وحكوميا... وأقول للنائب إن الرضا الشخصي ليس له قيمة في عالم الأرقام ودواوين المحاسبة... أرجوكم دعوا الأرقام تتكلم.