ذهب بوش... فهل ستقلُّ كراهيتنا لأميركا؟

نشر في 15-02-2009
آخر تحديث 15-02-2009 | 00:00
 د. شاكر النابلسي -1-

استعرضنا في مقالنا السابق، على هذه الصفحة، ثلاثة أسباب لكراهية العرب للسياسة الأميركية في عهد جورج دبليو بوش، وهنا نُكمل بقية الأسباب:

1- كان الشارع العربي بفعل الأحزاب الدينية والقومية والشيوعية الفاعلية فيه، يعتقد ويجزم، بأن أميركا تدعم النظم الدكتاتورية في العالم العربي، وتقدم الحماية لها. في حين أن الاتحاد السوفييتي، هو الذي كان يدعم الدكتاتوريات العسكرية في العالم العربي. فدعم عهد عبدالناصر في مصر، وعهد بومدين في الجزائر، وعهد حافظ الأسد في سورية، وعهد صدام حسين في العراق، وعهد القذافي في ليبيا، والنظام الماركسي في جنوب اليمن. وبالمقابل كانت أميركا- لحفظ ميزان القوى بالمنطقة- تدعم الملكيات العربية عامة، والأنظمة العربية المعتدلة في الخليج.

2- كان العرب عامة، ينظرون إلى أميركا خاصة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 بعين الحسد والغيرة، وهي نظرة وإن كانت طفولية ساذجة، إلا أنها كانت تمتزج بمشاعر الكراهية الأخرى لأميركا، بعد أن أصبحت أميركا القطب الأوحد والقوة العظمى الوحيدة في العالم. ورغم هذا، كان النموذج الأميركي في المأكل، والمشرب، والملبس، والموسيقى، والغناء، والسينما، والحياة العامة، هو الطاغي في العالم العربي، دون أي نموذج أوروبي آخر.

وهذه المشاعر العدائية لأميركا، لم تكن خاصة بالشعب العربي وحده، ولكنها كانت لدى بعض الشعوب الأوروبية ومنها فرنسا، وكلنا يذكر مشاعر العداء، التي كانت لدى ديغول والشعب الفرنسي، خلال الستينيات من القرن الماضي خاصة، وما بعدها، رغم أن أميركا لعبت دوراً رئيساً في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، عشية الحرب العالمية الثانية، عام 1944، وتعهدت بإعادة تعمير أوروبا من خلال «مشروع مارشال» الشهير. ويوجد في فرنسا (النورماندي) حتى الآن مقابر لأكثر من 9 آلاف جندي أميركي، لقوا حتفهم فيما عُرف بـ«إنزال النورماندي» في الحرب العالمية الثانية.

3- التصق عهد الرئيس بوش بفضائح سجون أبو غريب، وغوانتانامو، اللذين يقال إنه جرت فيهما حالات تعذيب غير إنسانية، مما دفع باراك أوباما، لأن يتخذ لأحد شعاراته الانتخابية تعهداً بإغلاق معسكر غوانتانامو، وكان هذا الإجراء أول القرارات الحاسمة التي يتخذها الرئيس أوباما بعد توليه الرئاسة، وذلك بإغلاق هذا المعسكر خلال عام. وكان لفضائح هذين السجنين دوي كبير في العالم العربي والإسلامي، وفي العالم كله، مما لطخ سمعة الرئيس بوش، ولطخ عهده بالإرهاب والقتل. وهو الإرهاب الذي جاء من أجله في الشرق الأوسط، وغرق في مستنقعاته، وسبب كراهية شديدة لأميركا، لم تبلغها حتى أثناء حرب فيتنام.

4- نهج الرئيس بوش نهجاً دينياً مسيحياً في غزوه لأفغانستان والعراق، ولعله كان من أكثر الرؤساء الأميركيين ارتباطاً بالدين المسيحي، وقد أعلن عدة مرات بأنه يتلقى أوامر إلهية للأفعال السياسية، وهو شيء مستهجن من رئيس دولة علمانية. وفي مقال نشرتُه في 24/8/2008 تحت عنوان (هل نقل الرئيس بوش مكتبه من البيت الأبيض إلى الكنيسة؟) رصدت فيه التوجه الديني/السياسي لجورج بوش، خاصة عندما قال في 2002، بأنه يشنُّ حرباً صليبية على الإرهاب، علماً بأنه كان يقصد بكلمة «Crusade» (الحملة)، كما هو معناها في القاموس، وليس بمعنى «الحرب الدينية» كما فُسرت في الشرق الأوسط، وكما جرت في القرن الثاني عشر، والتي مازالت في ذاكرتنا، ومن هذه التوجهات التي رصدتها في المقال المذكور، نختار أهم ثلاثة منها:

1- قول بوش في شرم الشيخ، في أغسطس 2003: «أنا أقوم بمهمة بأمر من الله، إن ما أقوم به من حرب في أفغانستان ضد الإرهاب هو أمر من الله. لقد أبلغني الرب أمراً يقول: جورج اذهب، وحارب هؤلاء الإرهابيين في أفغانستان، فذهبت إلى أفغانستان. ثم أمرني الرب بأن أذهب وأحارب الطغيان في العراق، فذهبت وحاربته».

2- قول بوش في بنسلفانيا في التاسع من يوليو 2004: «أنا رئيس ملهم من الرب، وبدون هذا الإلهام لا أستطيع أن أقوم بعملي».

3- تصريح بوش، أثناء حفل الإفطار للمصلين من أميركا اللاتينية في واشنطن، في 16 مايو، 2000: «ليس هناك قوة تساعد على التغيير في أي بلد في العالم، كالعقيدة الدينية».

-2-

وهذا التوجه الديني الشخصي للرئيس بوش، رسخَّ في الذاكرة العربية المعاصرة، كون الرئيس بوش في حربه على الإرهاب في الشرق الأوسط، يعني حربه على الإسلام باعتبار أن كل الحركات الإرهابية في الشرق الأوسط، هي حركات إسلامية تُدير وتمتهن الإرهاب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. كما لا يعني هذا التوجه الديني لجورج بوش أنه كان حاكماً مسيحياً متديناً لدولة علمانية، فحتى لو افترضنا ذلك، فإن قرارات هذه الدولة العَلْمانية، لم تتأثر بتدين جورج المسيحي، وذلك بفضل قوة المؤسسات السياسية العَلْمانية الأميركية، التي تتحكم بالقرار السياسي الداخلي والخارجي، وذلك ما عدا إعطاء الفرصة لليمين الديني المسيحي المتطرف للبروز، وتقوية هذا الجناح في المجتمع الأميركي على كل المستويات، خصوصاً المستوى الاجتماعي.

-3-

والآن ذهب بوش، وبقي العراق... وذهب بوش، وبقيت أفغانستان... فالحكام يذهبون في كل أصقاع الأرض وفي كل الأزمنة، وتبقى الشعوب حية، تعمل، وتكافح، وتزدهر.

ولو لم يكن هذا الرئيس الأميركي بهذه التركيبة السياسية الدينية، لما أقدم على خطوة سياسية مهمة وصعبة وتاريخية، وهي شنُّ حرب على العراق، من أجل القضاء على واحد من أعتى أنظمة الحكم الدكتاتورية في العالم العربي.

وشكراً لابن لادن، كما قال المفكر المصري سيّد القمني، في كتابه («شكراً ابن لادن»، 2004)، وفيه يقول القمني، إن ظهور بن لادن، ساعد كثيراً على كشف عورات أمتنا، ومنها الإرهاب.

ولنكن واقعيين وشجعانا ونقول، إنه لولا جورج بوش، وليست أميركا، لما تمَّ تحرير أفغانستان من حكم طالبان، ولما تمَّ تحرير العراق من حكم صدام حسين، فلو كان في أميركا رئيس غيره لما فعل ذلك. سواء تمَّ هذا التحرير بطريق الخطأ والمعلومات الخاطئة غير الصحيحة التي قُدمت للرئيس من قبل أجهزة المخابرات المركزية CIA، أم كانت النية حقيقية لاقتلاع طالبان المتسببة، والحامية، لإرهابيي 11 سبتمبر 2001، واقتلاع صدام حسين من العراق، لكونه يمثل تهديداً لأمن المنطقة من خلال غزوه المشين للكويت 1990، ومن خلال تهديده لأمن جيرانه الآخرين.

وسيبقى غزو أفغانستان وغزو العراق علامة فارقة ومهمة في تاريخ الشرق الأوسط. وسيبقى التدخل العسكري الأميركي مهماً كأهمية دخول أميركا الحرب العالمية الثانية، وتحرير أوروبا من النازية والفاشية، وكأهمية الحملة الفرنسية على مصر 1798. وكما أنكرت فرنسا بالذات في الستينيات التضحيات الأميركية من أجل تحريرها من النازية، فقد أنكر العرب على الرئيس بوش وعلى أميركا، كل تضحياتهما في العراق وأفغانستان، ونظروا، وركَّزوا على النصف الفارغ من الكأس، ونسوا، وتغاضوا عن النصف الملآن منها، بدماء الجنود الأميركيين.

-4-

الحرب ليست نعيماً كلها، وليست جحيماً كلها. وكما كان لاشتراك أميركا في الحرب العالمية الثانية من أخطاء كثيرة، كان لها في حربها على الإرهاب في الشرق الأوسط أخطاء كثيرة، ونتائج مدمرة، منها حلُّ الجيش العراقي، وحلُّ الدولة العراقية، تكراراً لما جرى في اليابان 1945، دون النظر إلى الفوارق الكثيرة بين اليابان والعراق، فكانت هذه الأخطاء، وسخط العالم العربي عليها، إضافة لما كان يُنشر من وسائل التعذيب في السجون العراقية، ومنها سجن أبو غريب، من جملة الأسباب التي حالت دون الاستمرار في الإطاحة بدكتاتوريات أخرى في الشرق الأوسط، والاكتفاء الآن بما جرى في العراق.

ولكن علينا ألا ننسى، أن كراهية العرب لأميركا إلى هذا الحد، الذي هي عليه الآن، لم تكن بسبب غزو أفغانستان أو العراق، ولكن هذه الكراهية سابقة، نتيجة لفشل أميركا في حل القضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية، بالدرجة الأولى. فهل أميركا مسؤولة عن هذا مسؤولية تامة وكاملة، أم أن إسرائيل والصراع الفلسطيني-الفلسطيني، قبل وبعد رحيل عرفات، كانا هما السبب كذلك حيث لا كلمة واحدة موحدة، ولا قرار واحداً موحداً لكل القيادات الفلسطينية المختلفة.

* كاتب أردني

back to top