إن المطلوب في دولنا الريعية غير الإنتاجية، إعادة هيكلة أجهزة الدولة الإدارية وحل مشكلاتها المزمنة لكي تتمكن الحكومة، من خلال جهازها الإداري الفعال والديناميكي وذي الكفاءة المتميزة، من القيام بدورها الجديد في تنظيم وإدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

Ad

من أجل التخفيف من التداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية فإنه من الضروري جدا أن يتم إعادة هيكلة الجهاز الإداري الحكومي بعد أن ترهل وأصابه الكثير من أمراض الشيخوخة والسمنة المفرطة، وذلك لضغط المصروفات وتخفيض الإنفاق العام وإيقاف الهدر المالي ومحاربة حالات الفساد المالي والإداري المستشري في الدولة، حيث إن ذلك يأتي من ضمن أولويات مواجهة الأزمة المالية العالمية.

فلا شك أن عملية إعادة هيكلة الجهاز الإداري الحكومي ستساعد على تقليل الإنفاق العام من جهة وتسهل عملية مراقبة وضبط الهدر في الإنفاق العام، لأنه من غير المجدي، بل إنه ليس من العدالة أن نحاول ضغط المصاريف المتعلقة بالخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والإسكان، ونترك الأجهزة الحكومية التي ليس لها حاجة تنموية ويترتب على وجودها مصاريف مالية متنامية ترهق ميزانية الدولة وتستنزف المال العام.

فمن المعروف نظريا أن الجهاز الإداري ينشأ لوجود غرض أو حاجة تنموية حقيقية، ونحن في الكويت ليس لدينا منذ زمن طويل أي خطة تنموية، لذا فإن وجود أغلب الأجهزة الإدارية الحكومية لا مبرر له من الناحية العلمية والعملية، ولا يحتاج الأمر للكثير من العناء حتى نكتشف أن هناك أجهزة إدارية ضخمة لم يكن لإنشائها مردود مجتمعي أو حاجة تنموية، بل أنشئت لمجرد إيجاد مناصب قيادية معينة لبعض الأشخاص، وهناك أجهزة إدارية أخرى تم تضخيم هياكلها التنظيمية على أسس غير علمية من أجل تلبية حاجات شخصية وليست تنظيمية أو تنموية، ناهيك عن المناصب الإدارية المستحدثة باستمرار والتشابك العجيب الغريب في الاختصاصات بين الكثير من الأجهزة الحكومية.

وتجدر الإشارة أيضا إلى أن هناك سياسات حكومية أخرى لها تبعات سلبية على الجهاز الإداري الحكومي مثل وجود الأعداد الهائلة من العمالة الهامشية التي ليس لها أي فائدة تنموية، بل بالعكس فإنها تشكل عبئا إضافيا وضغطا على الخدمات العامة، ولا شك أن إعادة هيكلة التركيبة السكانية المختلة سيقلل من الحاجة إلى وجود بعض الأجهزة الإدارية الحكومية ويؤدي إلى خفض الإنفاق العام.

وحيث إن أحد الحلول المطروحة والمطبقة حاليا في الدول الرأسمالية الصناعية الإنتاجية التي تقلص فيها دور الدولة في العقود الأخيرة حتى وصل إلى حده الأدنى، هو إعادة الاعتبار لضرورة تدخل الدول في إدارة الاقتصاد الكلي من أجل حمايته من الانهيار الكامل الذي أوشك اقتصاد السوق المنفلت أن يوصله إليه، فإن المطلوب في دولنا الريعية غير الإنتاجية التي لاتزال الدولة مهيمنة بشكل كبير على الاقتصاد، ويعاني القطاع الخاص فيها تشوهات بنيوية كثيرة، إعادة هيكلة أجهزة الدولة الإدارية وحل مشكلاتها المزمنة لكي تتمكن الحكومة، من خلال جهازها الإداري الفعال والديناميكي وذي الكفاءة المتميزة، من القيام بدورها الجديد في تنظيم وإدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية على أسس سليمة يراعى فيها الدور الحقيقي المطلوب من القطاع الخاص.