هل تستطيع معدة أوباما أن تهضم هيلاري إلى جانبه في اتخاذ القرارات الخارجية المصيرية؟ فالانتقال من العداوة الشديدة خلال حملة اختيار المرشح الديمقراطي إلى الصداقة والتفاهم أحدث نوعاً من عدم التوازن في فهم الأمور على حقيقتها.

Ad

في بداية السبعينيات كلفني مثل هذا العنوان، وليس المقال، أسبوعين في سجن الرمل في بيروت، ففي تلك الفترة كان نجم السيدة جيهان السادات يبرز ويتصاعد في عالم السياسة والاجتماع والمال إلى درجة أنها سمحت لنفسها باختراق التقاليد العربية والمصرية بالصميم عندما زارت ثكنات عسكرية واجتمعت إلى ضباط وجنود مصريين. في وقتها كتبت مقالاً بعنوان: جيهان السادات «الرجل القوي» في مصر، أقامت السفارة المصرية في بيروت دعوى ذم وقُدّم ضدي واستخدمت محكمة المطبوعات قانون حماية الملوك والرؤساء العرب لإصدار حكم بسجني أسبوعين. وجاء في حيثيات الحكم أن عنوان المقال «وليس المقال نفسه» خبيث يهين أنوثة سيدة مصر الأولى، وبالتالي رجولة زوجها أنور السادات، غير أن حضرة قاضي المطبوعات من النوع الذي يكره الضحك والمزاح ولو كان على مستوى رفيع. كذلك فإن إصرار السفارة المصرية، بناء على إصرار قصر القبة في القاهرة على إدخالي السجن كي أكون أمثولة لغيري من الذين يعتدون على الذات العليا. ذلك أن الحاكم في بلادنا، كان ومازال وسيبقى يعتبر نفسه على مستوى الذات العليا، وأي تجريح به، ولو بالمواربة والمزاح الأنيق واستخدام الألفاظ غير الجارحة بمنزلة تجريح بالذات الإلهية.

كتبت هذه المقدمة لأنني سأستخدم نفس العنوان مع تغيير الاسم: هيلاري كلنتون الرجل الأقوى في الولايات المتحدة، وكلي ثقة بأن سيدة أميركا الأول سابقاً لن تفعل ما فعله الرئيس أنور السادات لعدة أسباب: الأول أنها تنتمي إلى الجيل الحضاري، وثانياً لأنها تقدر الابتسامة المرحة والنكتة التي تجرح لكنها لا تسيل الدماء، وثالثاً فإن تاريخ هيلاري في البيت الأبيض كزوجة، وفي الكونغرس كعضو نشيط «يثيرها» أن تتهم بالرجولة، ولا تعتبرها جريمة أو حجة يستأهل قائلها السجن. باختصار، فإن هيلاري من النوع الذي يلعن الحظ لأنه خلقها امرأة وليس رجلاً، مع التأكيد بأنها تهتم كثيراً بإبراز أنوثتها وأناقتها أكثر من ممثلات السينما الهوليوودية.

طغت على السطح بين أوساط المثقفين الأميركيين، بمناسبة ترشيح هيلاري لمنصب وزيرة الخارجية نكتة وسبق أن قيلت وانتشرت في بداية عهد زوجها كلينتون في التسعينيات. النكتة أو القصة- سمها ما شئت- تقول: إن الرئيس كلنتون دعا زوجته إلى زيارة ليلية لأمكنة المتشردين HOMLESS في العاصمة واشنطن للاطلاع على أحوالهم بغية مساعدتهم، وبينما كانا يتجولان في الأزقة العابقة برائحة التشرد والبؤس توقفت هيلاري لدى رؤية متشرد يدل مظهره على أنه على خصومة طويلة مع النظافة وتوابعها. بعد هنيهة تقدمت هيلاري نحو المتشرد فرحة مبتهجة وقالت متسائلة: جون؟ أهذا أنت؟ وبهزة رأس أثقلها التشرد أجاب المتشرد بالإيجاب، وأمام دهشة واستغراب كلنتون الرئيس، هجمت هيلاري على جون وحضنته وقبّلته متناسية كل وضعه النظافي، فالعاطفة لها رائحة تزيل كل الروائح الكريهة، بعد ذلك سأل كلنتون زوجته بنوع من القرف عن هوية الشخص، فردت بكل ثقة في النفس: إنه صديقي القديم في جامعة القانون، وقد طلب يدي للزواج ولو وافقت حينذاك لأصبح هو رئيس الولايات المتحدة الأميركية وليس أنت.

هي قصة، رواية، نكتة المقصود منها إظهار ثقة هيلاري بنفسها، وقد أثبتت على مرّ الأيام أن هذه الثقة قد أوصلتها إلى أكثر مما تصبو إليه، غير أن هذه الثقة اللامتناهية بالنفس تقف عقبة في وجه تحقيق طموحها الأخير، وهي أن تكون السيدة «الأنثى» الأولى التي تشارك في حكم الولايات المتحدة، وهذا ما جعل الرئيس المنتخب أوباما يتريث إلى اليوم في تعيينها كوزيرة للخارجية.

فهي بالنسبة له ONE MAN SHOW ذات طموح لا حدود له، ولا تؤمن بالعمل الجماعي TEAM WORK وتحب أن تكون مميزة عمن حولها وحواليها، لكنها تمتاز بشراسة اللبوة في قتالها لحماية أشبالها، فهي تعتبر نفسها جميلة قبل أي شيء آخر، ولا تخفي ذكاءها وحبها للسيطرة كلما دعت الحاجة، ونسيت هيلاري أن المرأة التي تمتاز بهذه الصفات تفقد رونقها وجمالها وذكاءها إذا تصرفت على هذا الأساس وتصبح كتمثال لآلهة الجمال فينوس، يضعه الرجل في غرفة نومه ثم يلقي عليه نظرة واحدة قبل أن يعلق عليه «جاكيته» وينام.

والسؤال الآن: هل تستطيع معدة أوباما أن تهضم هيلاري إلى جانبه في اتخاذ القرارات الخارجية المصيرية؟ المؤشرات التي تنقلها الصحافة الأميركية تدل على أنه مازال متردداً بل خائفاً، فالانتقال من العداوة الشديدة خلال حملة اختيار المرشح الديمقراطي إلى الصداقة والتفاهم أحدث نوعاً من عدم التوازن في فهم الأمور على حقيقتها، فأوباما لم ينس بعد «الحملة الوحشية»، كما وصفتها «نيويورك تايمز» في عدد 23 نوفمبر، التي شنتها ضده المرأة الأكثر نفوذاً وقدرة في الحزب الديمقراطي. لكن سرعان ما حدثت المفاجأة التي أطاحت بصواب الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، ففي الصيف الماضي، وفي عز الحملة فاجأت كلنتون الجميع بخطاب علني أيدت فيه ترشيح أوباما، لكن بعض العارفين بخفايا الأمور بواشنطن يؤكدون أن هذه الحركة لم تأت عفوية ولا من فراع، بل جاءت نتيجة لاجتماع سري بين الاثنين لم يحضره أي شخص ثالث دام أكثر من ثلاث ساعات خرجت على إثره كلنتون والضحكة ملء فمها، لتعلن أن أوباما رجل جيد، ولو كانت تنقصه الخبرة في إدارة الدبلوماسية، «لكنها ليست مشكلة لا يمكن حلها». وهكذا سقط رهان الجمهوريين على انقسام الديمقراطيين.

ماذا جرى في هذا الاجتماع السري؟ وعلى ماذا تم الاتفاق والتفاهم؟ لا أحد يدعي المعرفة وكل ما قيل هو عبارة عن تكهنات، لكن الثابت أن هيلاري فازت بمنصب وزيرة الخارجية بشروطها وأولها أن يكون اتصالها مباشرة بالرئيس أوباما دون أي وسيط. كذلك فازت بتكوين فريق خاص بها في وزارة الخارجية لا يتدخل بشؤونه أحد حتى لو كان الرئيس نفسه، فإذا كان يحق للرئيس أن يختار فريق عمله، فلماذا لا تفعل هي؟! هذه الحركة أحدثت نوعاً من عدم الارتياح في فريق أوباما الذي قال أحد أعضائه لـ«نيويورك تايمز» دون أن يذكر اسمه: أميركا ستحكم بمولود برأسين.

يبقى العنصر الشخصي وهو عنصر مهم جداً مما يطرح التساؤل التالي: إلى أي مدى يستطيع أوباما أن يمارس سلطته كرئيس أوحد في اتخاذ قرارات السياسة الخارجية دون أن يصطدم بهيلاري كلنتون؟ المستقبل القريب كفيل بالردّ على هذا التساؤل.

* كاتب لبناني