لست من أولئك الحالمين الذين يتخيلون بأن مجيء الرئيس باراك أوباما سيؤدي إلى تغير في العلاقات الأميركية الإسرائيلية لمصلحة العرب، فهذا ليس بحلم فحسب، وإنما هو حلم فاسد، يرفض تأويله حتى الظرفاء من مشايخ تأويل الأحلام عبر «المسجات» الذين تكاثروا هذه الأيام كتكاثر «المشروم»!

Ad

العلاقة الأميركية الإسرائيلية علاقة نسيجية عضوية متشابكة على مستويات عديدة وفي آلاف المجالات، استغرقت عشرات السنوات، والكثير من العمل والجهد، والكثير الكثير من الأموال اليهودية في أميركا لبنائها وتشييدها، وبالتالي فلن يستطيع فك ترابطها وحلحلة ما فيها لا أوباما ولا غيره.

والحقيقة أني لو حاولت النظر من خلال عيني أوباما، فسوف أرى أمامي كيانا سياسيا منظما إلى حد كبير، ترعى مصالحه وتواكبه وتدعمه مؤسسات في كل المجالات وبالآلاف في أميركا وحول العالم اسمه إسرائيل، وفي مقابله الفلسطينيون الذين يعانون خلافات ضارية فيما بينهم، ولا يمتلكون توجها موحدا، أو مرتبا على الأقل، ومن خلفهم عرب متشرذمون أبعد ما يكونون عن التنظيم والاتفاق على شيء، وحينها فسوف تكون المسألة محسومة في الميل لأي طرف في هذه المعادلة.

السياسة لا تقوم على التعاطف واختلاجات المشاعر، ولا تقوم على شعارات الحقوق الإنسانية، ولا على ما شابه، وبالتالي فالساسة وعندما يقررون شيئا لا ينظرون إلى ما ينظر إليه عموم الناس من صور الدمار والقتل والأشلاء والدماء، وإنما ينظرون إلى أين سيقودهم القرار وما هي تبعاته ونتائجه.

معركة العرب، إن جاز لي أن أستخدم هذا المصطلح أصلا بعدما صار الصراع فلسطينيا أو لنقل «حماسيا»/ إسرائيليا بحتا، أقول معركة العرب مع إسرائيل، ليست معركة عسكرية مفتوحة، فالحسابات الموضوعية حاسمة في هذا الصدد لمصلحة إسرائيل بالدعم الأميركي اللامتناهي، والأمور ما عادت تقاس بأعداد الرجال حتى يخرج علينا من يريد تكوين جيش عربي قوامه مليون ونصف المليون عسكري من دول المشرق والمغرب العربي، وإنما تقاس بجودة العتاد وتوفر الدعم وبالقدرة على إدارة الحروب وفق النظم المتطورة، ونحن لا نملك من هذا شيئا، ولله ما أعطى ولله ما أخذ!

معركة العرب يجب أن تكون مع أنفسهم أولا لتوحيد موقفهم وصفوفهم، والتخلي عن سفسطائية الخلافات الخرقاء، وبعدها تصبح معركة تطوير وبناء وصولا إلى تكوين كيان متماسك لائق للوقوف أمام العالم في مقابل الكيان الصهيوني المتقدم المنظم، قادر على مقارعة الحجة بالحجة وعلى التعامل مع أدوات السياسة في العصر الحديث.

معركتنا اليوم مع إسرائيل، وفي ظل هذا الواقع المنسحق من ناحيتنا، يجب أن تكون معركة سياسية ثقافية إعلامية في كل العالم، وليست عسكرية مباشرة في فلسطين فحسب. ولست أطالب هنا بتخلي الفصائل الفلسطينية عن خيار المقاومة المسلحة، وإنما استخدامه عند الحاجة في سياقه السليم وضد الأهداف الصحيحة ذات القيمة السياسية، ومن ضمن إطار المحافظة على معادلة توازن الرعب لا أكثر.

حينها سيمكننا أن نجتذب انتباه العالم وتعاطف شعوبه، التي ستشكل بدورها ضغطا على حكوماتها وسياسييها للوقوف معنا شيئا ما، دون الحاجة لانتظار كل هذا الموت والأشلاء والدماء حتى تحرك بشكل فاعل.

رحم الله من ماتوا في هذا العدوان الصهيوني الدنس، وتقبلهم في الشهداء، ونسأله الهداية لكل القادة العرب والفلسطينيين بالأخص لرؤية كامل الصورة بكل تفاصيلها، واتخاذ القرارات الواقعية وفق هذه المعطيات.