Ad

إن شعار حرية الرأي والتعبير الذي يرفعه المدافعون عن الوثيقة وأصحابها، لا يستقيم بالطريقة التي تمت بها عملية جمع التواقيع، والتوقيت، والأسماء، التي أثارت الشبهات، فالسرية التي تمت فيها التحركات، والزج بأسماء بعض الأشخاص من دون علمهم، يسقط قناع حرية الرأي والتعبير التي نفهم أن ممارستها تتم في وضح النهار وأمام الملأ.

النائب علي الراشد من أفضل النواب أداء منذ حصوله على عضوية البرلمان، هذا من وجهة نظري الشخصية، لكنني لا أتفق مع «أبو فيصل» عندما استدرك في تصريح له أمس الأول ما نقل على لسانه في الجلسة السرية من أنه لم يقل إن أهل الدواوين الموقعين على «وثيقة الأزمة» لا يمثلون أهل الكويت، رغم رفضه القاطع لما جاء فيها.

كنت أتمنى ألا ينفي الراشد هذه المقولة خصوصا أنها جاءت في إطار سياسي وليس اجتماعيا، لأن الواقع يقول إن أصحاب تلك الديوانيات بالفعل لا يمثلون أهل الكويت، لأنه لا ممثل لهم إلا علي الراشد و49 نائبا آخرون اختارهم الشعب لتمثيله والتحدث باسمه، ما عدا ذلك فكل يمثل نفسه فقط ولا يحق له الحديث بالوكالة أو بالأصالة عن الأمة، بغض النظر عن النوايا.

في ظل الأوضاع الراهنة والتجاذب السياسي الذي تشهده الساحة الداخلية، فإن توقيت تسريب هذه الوثيقة يثير الشبهات، ويعزز المخاوف، حول النوايا الحقيقية لأصحاب التواقيع، ويسيء في الوقت نفسه لهيبة الدولة، ويشكك في قدرة النظام على المبادرة دون غطاء أو دعم، وهو ما قد يعني أن الوثيقة هدفها خلق أرضية وقاعدة ومبرر لتحركات السلطة.

سمو الأمير حفظه الله قال ما يريد لشعبه ولمواطنيه وللحكومة وللمجلس خلال نطقه السامي، وهو لا ينتظر عونا من أحد، ولا توجيها من أي طرف، فسموه أبو السلطات جميعا والدستور يخوله التدخل متى ما شاء وأين ما شاء، وبالصيغة الدستورية التي يشاء، فهو من يقيّم، وهو من يتخذ القرار في الزمان والمكان المناسبين، وهو أحرص من غيره على مصلحة الكويت، لذا فإنني أدرج تحركات أصحاب الوثيقة «الشؤم» في إطار التزلف والتملق لدى القيادة السياسية العليا، وهو أمر ترفضه القيادة قبل غيرها، لأن فيه نوعا من الاستئثار بالنصح وكأن أصحاب تلك الديوانيات وحدهم الحريصون على المصلحة العامة دون سائر دواوين الكويت الأخرى.

لم يغلق سمو الأمير بابه أمام أحد، ولم يرفض الإصغاء لكل ناصح مخلص، فكان من الأولى على من قالوا إن الهدف من الوثيقة هو الخوف على الوطن والممارسة الديمقراطية، أن ينقلوا تلك المخاوف مباشرة إلى سموه، خصوصا أن الموقعين عليها -حسب ما تسرب من أسماء- أكثر الناس التقاء بسمو الأمير، بل إنهم أكثر من يستطيع مقابلته متى ما طلبوا ذلك، لكن الطريقة التي تمت بها عملية جمع التواقيع، والتوقيت، والأسماء، أثارت الشبهات وقدمت سوء نية أصحابها على ما سواها، الأمر الذي يفسره تملص الموقعين عليها واحداً تلو الآخر عندما كشف أمرهم، والتبرؤ منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب!

إن شعار حرية الرأي والتعبير الذي يرفعه المدافعون عن الوثيقة وأصحابها، لا يستقيم في هذه الحالة، فالسرية التي تمت فيها التحركات، والزج بأسماء بعض الأشخاص من دون علمهم، يسقط قناع حرية الرأي والتعبير التي نفهم أن ممارستها تتم في وضح النهار وأمام الملأ، وليس عبر منشورات تم إلقاء بعضها من تحت باب «الديوانية» كما قال لي أحد من زج بأسمائهم فيها.

على كل وبمجرد التدقيق جيدا فإن أغلب الأسماء التي وقعت على الوثيقة، لديها مشكلة مع الديمقراطية، ولها مواقف معروفة من الحراك السياسي سابقا وحاليا، وبالتالي فإن تلك الديوانيات لا تمثل إلا أصحابها، أما الدواوين التي تمثل أهل الكويت حاضرة وبادية، سنة وشيعة، فهي ديوانيات الشريعان والمناور والفضالة والسعدون وغيرها، التي تحولت في الثمانينيات إلى حصون لحماية الدستور، وليس لتناول الشاي والقهوة وفرض الوصاية على أهل الكويت والتحدث باسمهم، ومحاولة لعب دور الوسيط بين الحاكم والمحكوم.