نريد مجلس صراخ!
ما يثير الاستغراب أن هناك قضايا تتعلق بالحريات العامة والدستور لا يمكن لأي تيار أن يختلف حولها، لكنك تجدها مركونة على الرف يأكلها الغبار، فما الذي يمكن أن تختلف حوله التيارات بشأن دعم استقلال القضاء، أو حرمان العسكريين من اللجوء إلى المحكمة الإدارية، أو توحيد الجنسية، أو حق البدون في توثيق زواجهم وتسجيل مواليدهم؟أول العمود: خالد العودة، يرأس رابطة شعبية للدفاع عن معتقلي غوانتانامو، يقول إن تشكيل لجنة مناصحة وحوار كويتية للعائدين من هناك شرطٌ أميركي لإطلاق سراحهم... بالطبع لا أحد يعرف سبب تأخير تشكيلها؟
***كثيرة هي الأوصاف التي بدأت الناس تطلقها على المؤسسة التشريعية من واقع حالة الملل تجاه أدائها الذي هو صنيعة أعضاء الحكومة والمجلس متحدين وشريكين، وكان أحدث لقب حازه المجلس هو «مجلس الصراخ». مجلس الأمة اليوم تحول إلى منافس وندٍّ لديوان المحاسبة، فهو «يصرخ» على المال العام، ويثير معارك واستجوابات في حال أشبه بمحاولة السيطرة على خزان ماء فيه من الثقوب ما يوازي عدد الناخبين! وإذا سلّمنا بأن جزءاً من الصراخ الدائر مفيد ومحمود، فإنه يبقى ناقصاً إلى درجة فقر الدم الحاد في مسألة الحريات وحماية الدستور والمؤسسات الحكومية والأهلية.ما يثير الاستغراب أن هناك قضايا تتعلق بالحريات العامة والدستور لا يمكن لأي تيار أن يختلف حولها، لكنك تجدها مركونة على الرف يأكلها الغبار، فما الذي يمكن أن تختلف حوله التيارات بشأن دعم استقلال القضاء الذي انتفض أخيراً لذاته دون معاونة مجلس الصراخ، أو سيطرة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على جمعيات النفع العام، وقانون المحكمة الدستورية الذي حرّم على الأفراد التخاصم فيها، وقصر الحق على الحكومة والمجلس، وإبقاء بعض صلاحيات القضاء المفترضة في يد وزارة الداخلية «الأدلة الجنائية»، وحرمان العسكريين من اللجوء إلى المحكمة الإدارية، وتوحيد الجنسية، وحق البدون في توثيق زواجهم وتسجيل مواليدهم وغيرها الكثير...؟ ولماذا لا تخضع هذه المواضيع لمبدأ الصراخ؟ تلك أمثلة لقواسم مشتركه للعمل البرلماني.بالطبع هناك أمور أخرى هي محل خلاف الكتل، لكنها تبقى انتهاكات صريحة للدستور والحريات العامة، ومثال ذلك قانون منع التعليم المشترك الذي يسمى زوراً «قانون منع الاختلاط في الجامعة»، ويزخف بهدوء إلى المدارس الخاصة، وهناك ضوابط الحفلات والاحتفالات التي حولت البلاد إلى وكر غربان، وأعطت النائب صلاحية التدخل في كلمات الأغاني، وهناك قانون عمل المرأة في الليل، والذي ذيل بعدد من الاستثناءات التي أفرغته من محتواه، وأصبح الهدف منه التأكيد على قدرة بعض النواب على تعديل الدستور وانتهاكه من دون المساس بمواده الأصلية.فكل الشكر لمجلس الصراخ... على ما يحب ويشتهي.