Ad

في مقبرة الصليبيخات، أدركت حقيقة واحدة هي الفرق بين الدعاية والمبدأ، وحمدت الله بأن شهيدنا المجادي قد استشهد في سبيل المبدأ وكرامته، وأن جسده الطاهر قد حماه الله من أن يكون سلعة للدعاية السياسية والتكسب الإعلامي، وأنه مثلما جاهد بصمت واستشهد بصمت فقد دفن أيضاً بصمت.

الشهيد فوزي المجادي هو أول مواطن كويتي مدني يفدي روحه ودمه وزهرة شبابه لأقدس قضية إسلامية وقومية ووطنية، وهي القضية الفلسطينية بكل ما تعني هذه القضية من أبعاد، سواء من جانب المعتدي الغاصب أو الضحية المتمثلة في المسجد الأقصى أو الأرض السليبة أو الشعب المظلوم.

وإذا كان الشهيد المجادي قد قتل في عملية فدائية عام 1989، فقد ووري جثمانه الثرى يوم أمس وبعد 19 سنة في مراسيم بسيطة ومتواضعة لم يشارك فيها أي مسؤول حكومي على الرغم من أن حكومة دولة الكويت قد أعلنت ومنذ عام 1967 بأنها في حالة حرب مع الكيان الصهيوني، بل شاركت بجيوشها في المواجهات ضد الاحتلال الإسرائيلي إبان حربي يونيو 1967 وأكتوبر 1973، وقدمت كوكبة من الشهداء في ركب القضية الفلسطينية.

بل كانت دولة، وعلى مدى عقود طويلة، من أشد المناصرين والمدافعين عن قضية العالم الأولى سياسياً وإعلامياً ومادياً، ورغم المواقف الشائنة لبعض الزعامات العربية ومنها الفلسطينيون إبان العدوان الصدامي، لم تتزحزح مواقف الكويت المبدئية التي كان المغفور له الشيخ جابر الأحمد صمام الأمان لها، رغم حجم الضغوط الهائلة من أكبر حلفائنا الأميركيين والعرب المطبعين مع إسرائيل، وقد أطلق الأمير الراحل لقب الشهيد على فوزي المجادي وبما يستحقه من معاملة بارة كأب كريم له ولأسرته.

وأثناء مراسم التشييع سرحت بي الذاكرة إلى عام 1989، وتخيلت لو أن التشييع كان في ذلك الوقت كيف كان الفرق؟ وقادني الخيال بأن أتصور حجم البيانات الخطابية من القوى السياسية والوطنية وهي تصم الآذان، وصور الشهيد تملأ الكثير من جمعيات النفع العام والجامعات، وتقام مراسم التأبين والتكريم في العديد من العواصم العربية وفي الأراضي المحتلة تحديداً، وتنهال برقيات التبريك والعزاء من رئيس السلطة الفلسطينية وحركات المقاومة والفصائل الفلسطينية المختلفة، ويسخر الإعلام العربي للتمجيد في الكويت وقيادتها وشعبها، وتتسابق القوى السياسية لاعتلاء منصة البطولة على أشلاء هذا الشاب القتيل!

وعندما قارنت الخيال بالواقع الحقيقي في مقبرة الصليبيخات أدركت حقيقة واحدة هي الفرق بين الدعاية والمبدأ، وحمدت الله بأن شهيدنا المجادي قد استشهد في سبيل المبدأ وكرامته، وأن جسده الطاهر قد حماه الله من أن يكون سلعة للدعاية السياسية والتكسب الإعلامي، وأنه مثلما جاهد بصمت واستشهد بصمت فقد دفن أيضاً بصمت، وتبقى كرامته بعين الله وفي رحاب مرضاته.

ولكن يبقى السؤال... كم هم أمثال الشهيد المجادي من أبناء هذه الأمة يجب أن يفدوا أرواحهم ليتكسب ويتاجر بها الآخرون؟ والسؤال الآخر... إذا عللنا سلبية الموقف الرسمي لدولة الكويت في التعاطي مع استشهاد الفقيد المجادي لدواعي المجاملات السياسية والتنازلات الدبلوماسية، وإذا بررنا الموقف المريب للقوى السياسية وفي مقدمتها اليسار الكويتي الذي كان الشهيد من أتباعه لدواعي المصالح والصفقات السياسية، فأين دور اللجنة الشعبية لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني التي كنا نراهن عليها في الصمود أمام الانبطاح العربي؟ يا لبؤس اللجنة وبؤس موقفها!