إن ملف وزارة الصحة «وارم» بتركة ثقيلة من الممارسات الخاطئة التي لا تنفع معها «الفزعة» الوطنية الحماسية التي نثور فيها آنياً ساعة الحدث، ومن ثم «نهمد» ونكف عن ممارسة الهبّة فجأة إلى حين وقوع بليّة أخرى... وهكذا دواليك.

Ad

* من الطبيعي جداً تعاطف الناس مع والدي الجنين الذي وُلد من دون رأس، وأن يغضبوا غضبة مضرية ضد وزارة الصحة العامة، خصوصاً الطبيبة التي أجرت عملية الولادة في مستشفى الجهراء، فالمجني عليه برعم جنيني في سبيله إلى التخلق والكينونة، لكننا لا نعرف بعد رأي الطرف الآخر، المتمثل في الطاقم الطبي الذي باشر عملية التوليد.

نعم، قرأنا وجهة نظر والدي الجنين المتوفى، وحري بنا- بداهة- انتظار نتيجة التحقيق قبل إطلاق التهم الجزافية! ولا يظن ظان أني أشكك في رواية الوالدين لا سمح الله، غاية ما هنالك التأكيد على القاعدة التي يخبرها الجميع المتبدية في أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، لاسيما أن المتهم في هذه القضية المفجعة المفزعة طبيب يُفترض أنه يحترم قَسَم «أبقراط» وينفذه بحذافيره، ما لم يكن مريضاً معتوهاً!

وقَسَم «أبقراط» لمن لا يعرفه يقول: «أقسم بالله العظيم أن أخشى الله في مهنتي، وأن أصون حياة الإنسان في أطوارها كافة، في كل الظروف والأحوال، باذلاً وسعي في إنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عورتهم، وأكتم سرهم...» والقسم، كما ترون، عظيم، بل جامع مانع كما يقول المناطقة، وبقي علينا الآن أن نعرف ما يقوله التحقيق الطبي المحايد بشأن «الجريمة» وخفاياها.

صحيح أن المعلومات المنشورة تشي بالإهمال واللامبالاة كما تبدّى ذلك في عملية توليد المواطنة في جناح عمومي، بحسب رأي الأم، إلا أننا نود معرفة الأسباب والمبررات التي دفعت بالطبيبة إلى إجراء عملية الولادة في غير مكانها المعتاد، وهو غرفة الولادة، أما توليدها وفق طريقة القابلات اللواتي يساعدن الأم على الولادة في البيوت، كما هو الأمر في الأيام الخوالي، فإن الأمر جدير بفتح ملفات الخدمات الصحية المتردية بصيغة منهجية تفضي إلى الإصلاح الجذري المنشود، والذي يدرأ تواتر الأخطاء والخطايا، ويعالج أسبابها ومبرراتها بشفافية وصراحة تتناغم مع مضمون قَسَم «أبقراط» ومع الطبيعة الإنسانية «الملائكية» المحفورة في وجدان الناس لمهمة الطبيب، ودوره في حياتنا الصحية.

إن ملف وزارة الصحة «وارم» بتركة ثقيلة من الممارسات الخاطئة التي لا تنفع معها «الفزعة» الوطنية الحماسية التي نثور فيها آنياً ساعة الحدث، ومن ثم «نهمد» ونكف عن ممارسة الهبّة فجأة إلى حين وقوع بليّة أخرى... وهكذا دواليك. وهذه «الدواليك» لا تنطوي على دواء ناجع لا لي... ولا ليك... ولذا صارت دواليك! الشاهد أن محافظة الجهراء المجيدة موعودة، كما يبدو، بالإهمال واللامبالاة... إلى آخر مثالب مستشفيات المحافظات «النائية»، وعيوب المستشفيات العامة كافة، والتي حرضت القادرين الميسورين على اللجوء إلى المستشفيات الخاصة، حسبنا دليلاً إلى ما ذهبنا إليه: لجوء المواطنات الميسورات كافة إلى الولادة في المستشفيات الخاصة، أما المواطنات المستورات فلهن الله سبحانه، حسبي الله على الظالم والمفتري!