الفرعيات... و القضاء والقدر!

نشر في 24-02-2009
آخر تحديث 24-02-2009 | 00:00
 د. حسن عبدالله جوهر إذا كان «القضاء» قد قال كلمته الفصل في قضايا الانتخابات الفرعية لعام 2008 فإن «القدر» هو الذي وضع قبيلة العجمان هذه المرة في هذا الموقف الحرج، ولكن يبقى ذلك درساً لنا جميعاً في أهمية تفعيل متطلبات الإصلاح السياسي والسعي الجماعي من أجل التخلص من آفات العملية الانتخابية الأخرى.

الانتخابات الفرعية جريمة يعاقب عليها القانون بغض النظر عن قناعتنا ومصالحنا الخاصة، ورغم الجدل المستمر بشأنه والمحاولات التي تمت على مدى سنوات إما لإلغائه وإما لتوسيع نطاقه ليشمل حظر إجراء أي انتخابات تمهيدية لاختيار مرشحين للانتخابات التشريعية العامة قبل موعدها من قبل القوى السياسية وجمعيات النفع العام، يبقى هذا القانون نافذاً وواجب الطاعة، وبصفتي أحد مقدمي هذا القانون في مجلس 1996 فإن الفلسفة التي انطلقت منه هي توفير غطاء العدالة وتكافؤ الفرص بين جميع المرشحين لعضوية مجلس الأمة واحترام الرأي العام لعموم أبناء المناطق الانتخابية بما في ذلك الأقليات الصغيرة حتى داخل القبائل نفسها.

ولا يعتبر تجريم الفرعيات نقيصة بحق أبناء القبائل التي غذّت الديمقراطية الكويتية برموز أثرت العمل الوطني تحت قبة البرلمان على امتداد العهد الدستوري، وقد لا تكون الانتخابات الفرعية هي صنيعة القبائل أو حتى السيئة الوحيدة المشوهة للديمقراطية، فهذه البدعة انطلقت في عقر المناطق الداخلية وتحت عنوان أخطر بكثير تمثل بالفرعيات الطائفية ناهيك عن ظواهر شراء الذمم والرشاوى الانتخابية التي تتطلب المزيد من الحزم وتفعيل القانون لردعها أيضاً.

فقد بدت ثمار قانون تجريم الفرعيات تؤتي ثمارها بعد خمسة فصول تشريعية من صدوره، وشهد القضاء الكويتي صدور أول حكم بالسجن على منظمي هذه الانتخابات والمشاركين فيها، وشمل هذا الحكم أحد النواب الحاليين في البرلمان، ورغم اعتزازي الشخصي الكبير بالزميل النائب محمد العبيد ومواقفه المبدئية ودفاعه الرجولي عن قضايا وهموم الأغلبية العظمى من عموم الناس وحرصه الكبير على المال العام، فإن كلمة القضاء تظل الحصن الحصين للجميع ومنبع الافتخار الأكبر، خصوصاً بعد هذه المدة الطويلة من تعطيل هذا القانون الذي يعد من أهم مبادئ ومداخل الإصلاح السياسي.

وتبقى ثمة مفارقات عجيبة تزامنت مع صدور الحكم القضائي الجديد، فمحاكمة فرعية قبيلة العجمان جرت في نفس الوقت الذي كانت محاكمة غيرها من القبائل جارية، وقد شملت جميع تلك المحاكمات نواباً سابقين وحاليين ومرشحين وناخبين، ولكن لم يتلبس بحكم الإدانة سوى العجمان ونائبهم!

ومن تابع العملية الانتخابية التمهيدية لانتخابات مجلس 2008 وأحداثها اليومية يجد بوضوح أن فرعية العجمان كانت هي الأولى من بين بقية الفرعيات، بل الوحيدة التي تمت دون أي ضجيج إعلامي، في حين عجّت بقية الفرعيات بالصخب الإعلامي والمصادمات العنيفة بين أبناء القبائل وقوات الأمن التي داهمت الكثير من الديوانيات ومراكز الاقتراع، وصادرت الصناديق الانتخابية، حتى أن بعض هذه الصناديق تم استرداده بالقوة من مديريات الأمن، ورغم ذلك كله فقد نالت جميعها أحكام البراءة!

وتظل الأحكام القضائية رغم تناقضاتها حتى في نفس القضايا المتشابهة والمتطابقة محل احترام وقبول الجميع، لأنها تعتمد على ظروف وملابسات كل قضية و«شطارة» المحامين ومداخل ومخارج القانون واجتهاد السادة القضاة، ولا ينازعهم في ذلك إلا درجات المحاكم الأعلى من خلال الطعون والإشكالات القانونية.

فإذا كان «القضاء» قد قال كلمته الفصل في قضايا الانتخابات الفرعية لعام 2008 فإن «القدر» هو الذي وضع قبيلة العجمان هذه المرة في هذا الموقف الحرج، ولكن يبقى ذلك درساً لنا جميعاً في أهمية تفعيل متطلبات الإصلاح السياسي والسعي الجماعي من أجل التخلص من آفات العملية الانتخابية الأخرى، والتي نأمل أيضاً أن يساهم قضاؤنا العادل في وضع حدٍّ لها إذا ما ثبتت تهم الرشاوى وشراء الذمم!

back to top