الرئيس... الضرورة!
الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح شكّل خمس حكومات في أربع سنوات، وشهدت فترة رئاسته حلّ مجلسين للأمة، والثالث في الطريق حسب ما هو متداول، ومع هذا فالأزمات السياسية قائمة منذ توليه رئاسة الوزراء... أضف إلى ذلك أن حل مجلس الأمة إن تم هذه المرة، فهو يأتي بسبب عدم رغبته في صعود منصة الاستجواب لتبرئة ساحته من شبهات تتعلق بالمال العام تحوم حوله في قضية مصروفات ديوانه.في غضون ذلك، يأتي من داخل صفوف الأسرة الحاكمة من يطالب بحل المجلس حلاً غير دستوري، والانقلاب على الدستور الذي يعطي حتى أسرة الحكم مشروعيتها القانونية في الحكم، والذي كان ملاذاً ساهم في حل أزمة الحكم الأخيرة بتولي سمو الشيخ صباح الأحمد سدة الإمارة.
ومشكلتي مع من يطرح هذا الرأي، بغض النظر عن شخوصهم، أنهم يعتقدون بوجود العلّة في مجلس الأمة وليس فيهم أو في رئيس الوزراء، فيأتون وبكل مكابرة ليطالبوا بحل المجلس حلاً غير دستوري بحجة تطاول المجلس على رئيس الوزراء، وهو من الأسرة الحاكمة، مما يعني- في قواميسهم- تطاول المجلس على الأسرة، وهذا غير صحيح. ويعتقد هؤلاء بكل سذاجة أن الحل غير الدستوري هو الحل السحري للأزمات السياسية في البلاد.وإن كان اعتقادهم هذا مصطنعاً كحجة لوأد الديمقراطية فهو مصيبة، أما إن كان اعتقاداً حقيقياً فالمصيبة حينذاك لا تحملها الجبال! لأن هؤلاء هم المنوط بهم حكم هذه البلاد مستقبلاً، وإذا كان هذا تفكيرهم «فلا بالله كدّينا خير!»... والله، لا يقول أن يحكمنا من يعتقد بأن المشكلة في المجلس وليست في ناصر المحمد. فما هذه العقلية «الفذة» التي تدعو إلى مواجهة بين السلطة والشعب بسبب عدم رغبتها في أن يواجه رئيس الوزراء منصة الاستجواب؟!أما أولئك «الطيبون» الداعون إلى حل دستوري للمجلس فهم أيضاً يهربون من مواجهة الأزمة الحقيقية، فلن يساهم الحل بإبراء ذمة ناصر المحمد من الشبهات التي ثبتها ديوان المحاسبة، ولن يبرئ الحل الدستوري الحكومة من تراجعها المستمر في قضايا كشركة «أمانة» و«التجنيس» و«داو كيميكال»، ولن يبرئ الحل الدستوري كذلك تأخر خطة التنمية الحكومية كل هذه المدة، لأن العلّة ليست في المجلس. وإن تم الحل الدستوري، فأنا كناخب سأصوّت لمن يتعهد لي بأن يكون أول أعماله في المجلس الجديد استجواب ناصر المحمد، إن أعيد تكليفه رئيساً للوزراء، أفلا يحق لي كمواطن أن أتساءل: «لماذا يخاف ناصر المحمد من منصة الاستجواب ويحل مجلس الأمة إذا لم يكن مخطئاً؟!».الشيخ ناصر المحمد حصل على كل الفرص التي يمكن أن تُمنح لأي رئيس وزراء في أي دولة محترمة في العالم، ولم يتحسن الأداء الحكومي في عهده، بل برز تراجع وشبهات مالية حوله شخصياً، وهي الموضوع الأهم، وحل المجلس لن يحسّن بأي حال من الأحوال من أدائه، فإن كان رئيس الوزراء لا يخشى الاستجواب لأنه سيضمن حل المجلس إذا تم استجوابه، وإذا كان رئيس الوزراء لا يخشى الناخبين، لأنه غير منتخب، فلا أعلم ما هي أوجه المحاسبة التي يخشاها، والتي ستجعله يقوم بدوره كما ينبغي؟ ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يأمن رئيس الوزراء أو أي مسؤول آخر العقوبة إن أخطأ، ونحن إلى الآن لا نعلم إن كان أخطأ أو لا، فعلى الرغم من أن كل المؤشرات تدل على ذلك، فإنه يرفض صعود المنصة لإبراء ذمته.أما ما يطرح هذه الأيام من خيارات برلمانية لتجاوز الاستجوابات المقدمة لرئيس الوزراء فهو تكريس للوضع الحكومي المتراجع، فمن يقد هذه التحركات يسعَ لجعل رئيس الوزراء منزهاً عن المحاسبة، تماماً كما يهدف الداعون إلى الحل غير الدستوري.على الشيخ ناصر وأبناء عمه الداعين إلى حل المجلس بأي شكل كان، أن يعوا أن الخيارات التي أرادها الدستور اثنان لا ثالث لهما، إما القبول بمحاسبته وإما الاستقالة والابتعاد عن المناصب الحكومية، ومن لا يرد محاسبة يقعد في البيت.