ولاية المرأة

نشر في 13-05-2009
آخر تحديث 13-05-2009 | 00:00
 لمى فريد العثمان سبق أن كتب والدي فريد العثمان مقالة قبل خمس سنوات في موضوع ولاية المرأة من الناحية الشرعية، وقد طلبت منه أن أعيد نشرها بالكامل لما أراه من فائدة في موضوعها:

(ثارت قضية ولاية المرأة بعد فتوى الدكتور الشيخ محمد سليمان الأشقر بجواز تولي المرأة الولاية العامة بعد أن رد حديثا صححه البخاري رواه الصحابي أبو بكرة رضي الله عنه يقول «لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» لأن راوي الحديث قذف الصحابي المغيرة بن شعبة رضي الله عنه بالزنى، فجلده عمر بن الخطاب رضي الله عنه حد القذف ثمانين جلدة، ثم رفض القاذف بعدها أن يتوب ويرجع عن أقواله، فأبطل عمر شهادته، وذلك تنفيذا لحكم الله تعالى في الآية الرابعة من سورة النور «فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون». ويقول الشيخ الأشقر إنه لا يجوز قبول إسناد حديث إلى قاذف سقطت شهادته ووصمه القرآن الكريم بالفسق كما وصفه في آية لاحقة من سورة النور بالكذب على الرغم من تعديله وتصحيح البخاري لحديثه.

بعدها ثارت ثائرة المتأسلمين السياسيين، وهذا أفضل وأخف وصف لهم لأنهم أهل مكابرة وعناد وعشاق زعامة وفرض رأي هداهم الله، والمسلم الصحيح هو الذي يرجع إلى الحق ولو عارض قوله، ويعترف بالدليل ولو خالف حجته، فقد توالت المقالات المستنكرة منهم لفتوى الشيخ الأشقر في محاولات فاشلة لإقامة الدليل على منع المرأة من تولي الولاية العامة، وسنعرض فيما يلي كل الأدلة التي أوردوها، ونفندها ونرد على الحجة بالحجة والدليل بالدليل:

1 - دليلهم الأول قوله تعالى «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض»، ونرد عليه بأن هذه الآية الكريمة اختصت بالأسرة وليس بالولاية، حيث إنها تتحدث عن الإنفاق والزوجات الصالحات القانتات والزوجات الناشزات، وهي تعالج أمورا تحدث للأسرة المسلمة وغير المسلمة، ودليلنا آية كريمة أخرى محكمة واضحة جلية لا لبس فيها ولا تأويل ولا تحويل وتذكر الولاية بالنص «المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض»، ولاشك أن الشيوخ الأفاضل يعلمون أنه لا يجوز أن يكون هناك تناقض بين آيات القرآن الكريم.

2 - دليلهم الثاني حديث أبي بكرة «لا يفلح...» وقد تولى الشيخ الأشقر الرد عليه بما يكفي، وأما حجتهم في تعديل الصحابة من باب الترضي عليهم فلا خلاف عليه، ولكن من جرحه القرآن الكريم وأمر بألا تقبل شهادته ووصمه بالفسق ثم بالكذب هل يجوز أن نقبل تعديل البشر له في رواية الحديث؟ وهل نعصي الله على بصيرة لأجل فرض رأي يخدم هدفا سياسيا أو يحافظ على صدق وصحة أي كتاب غير كتاب الله؟ ففي صحيح مسلم «أن جرح الرواة بما فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة»، وفي قول آخر لحجاج في صحيح مسلم أيضا «أرأيت رجلا لا تأمنه على دينه كيف تأمنه على الحديث؟». فالشريعة تمنع المعاين للفاحشة من كشفها إلا إذا اكتمل النصاب الشرعي وإلا فإنه يرتكب معصية لله تستوجب الحد والتوبة من هذه المعصية، ثم من الذي حكم عليه هذا الحكم؟ أليس عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي جلده واستتابه فلم يتب فأسقط شهادته فانطبق عليه ما ورد في الآية الكريمة؟

ومن يبرئ القاذف يجرم الحاكم.

3 - دليلهم الثالث قوله تعالى «للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن»، وقوله تعالى «للرجال عليهن درجة» بمعنى أن هناك تفضيلا للرجال على النساء في الشهادة والميراث وتولي عقد النكاح والقياس على إمامة الرجل في الصلاة، ونقول إن هذا التفضيل لا يعني منع المرأة من الولاية، وحجتنا في ذلك «أن الإسلام لا يساوي بين الحر والعبد في الحدود والدية والحرية والملكية والهبة والعتاق واللباس والنكاح والبيعة والميراث ولكن الإسلام لم يمنعه الولاية العامة، فالحديث رقم (7142) في البخاري يقول «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة»، والحديث رقم (1838) في مسلم يقول «إن أمّر عليكم عبد مجدع أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا» أي أنه مع كل النواقص التي تنتقص العبد عن الحر في الإسلام، وهي لاشك أكثر بكثير من نواقص النساء، فإنه يجيز الولاية للعبد على الحر، فتفضيل الرجل على المرأة إذن لا يقوم بحد ذاته دليلا على منعها من الولاية، وقس هذه بتلك.

4 - دليلهم الرابع الضرر الاجتماعي المترتب على تركها لوظيفتها الأصلية وهي رعاية البيت والأبناء والزوج، وهذا ينطبق على عمل المرأة بشكل عام وليس على الولاية، وحتى لو عملت المرأة في الطب أو التمريض أو التدريس فإنها سوف تخرج من بيتها، وهذا يعني أن طارح هذا الدليل يريد إبقاء المرأة في بيتها، وبالتالي لا داعي لأن تتعلم وتأخذ شهادة ما دامت ستبقى في البيت، دليلهم هذا هو دليل على التخلف وتعطيل نصف المجتمع عن العمل والإنتاج مع أن الصحوة الإسلامية لم تتنامَ إلا من خلال أجواء العلم للمرأة والعمل والخروج من البيت، فهل خربت الدنيا أم صلحت في البلاد التي تعمل فيها المرأة؟! عجبا كيف يكون الاستدلال بالعكس؟! وهل هناك بلد إسلامي أو عربي على وجه الإطلاق لا تعمل فيه المرأة... على الأقل مدرسة؟ ثم إن هذا الدليل يعني المرأة المتزوجة التي لديها أبناء، فيحق إذن للمرأة التي لم تتزوج أو المطلقة أو الأرملة أو التي ليس لها أبناء أن تتولى الولاية العامة، وهذا ما يثبت بطلان هذا الدليل كقاعدة عامة.

5 - دليلهم الخامس أنه لم يحدث في التاريخ الإسلامي أن تولت امرأة ولاية عامة، ونترك شجرة الدر وقصة بلقيس في القرآن، ونكتفي بدليل واحد وهو قيادة عائشة رضي الله عنها لجيش عرمرم يوم الجمل، وبعضهم يقول إنها خرجت للصلح ثم عادت، وأنها أخطأت وأنها ظنت وأنها اعتقدت، ولا أدري من أين يأتون بهذا، والثابت في تاريخ الطبري أنها أقسمت عند خروجها لحرب علي بن أبي طالب أن تأخذ بدم عثمان رضي الله عنهما، فدارت حرب ضروس عنيفة بين الجيشين المسلمين وقتل من المسلمين ما يربو على عشرة آلاف، وقيل في روايات أخرى إن القتلى كانوا أكثر من ثلاثين ألف مسلم، بينهم اثنان من المبشرين بالجنة هما طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام حواري رسول الله رضي الله عنهما، فأي صلح خرجت له عائشة رضي الله عنها وأي عودة يقصدونها؟ ويهمنا هنا أن نسأل: هل كانت أم المؤمنين عائشة والصحابة والمقربين المبشرين بالجنة عندما خرجوا تحت إمرتها لا يعلمون بالحديث الذي رواه أبو بكرة؟ رضي الله عنهم جميعا وغفر أخطاءهم.

6 - دليلهم السادس هو إجماع العلماء والأمة على منع ولاية المرأة، وهم بهذا الدليل يحاولون تغطية الشمس في وضح النهار، فإجماع المسلمين اليوم يصب في مصلحة جواز ولايتها، فها هي ترشح نفسها للنيابة العامة وتنتخب النواب وتعمل كوزيرة ومديرة وسفيرة في كل الدول الإسلامية، ما عدا بلدين عربيين فقط!! والإحصاء مفيد هنا حتى نتبين أين إجماع الأمة ومن هم الذين شذوا، فالمرأة تولت منصب رئاسة الدولة في أكبر الدول الإسلامية وهي الباكستان وبنغلادش وتركيا وإندونيسيا، وتتولى الولاية العامة عن طريق المجالس البرلمانية أو الوزارات أو الإدارات أو الجامعات في ماليزيا وأوزبكستان وتركمانستان وقرقيزستان والبوسنة والهرسك وألبانيا وإيران ونيجيريا والهند (وفيها أكثر من 250 مليون مسلم) والمغرب وموريتانيا والسنغال وتشاد والجزائر وتونس وليبيا ومصر ولبنان وفلسطين وسورية والعراق واليمن والأردن وعمان وقطر والبحرين... إلخ.

وشعوب هذه الدول تمثل على الأقل 98% من الأمة الإسلامية والمعارضون فيها لايشكلون ثقلا، ومعظم علمائهم أفتوا بجواز تولي المرأة الولاية العامة وأبرزهم شيخ الأزهر على ما هو عليه من مقام ومكانة، فهو يرأس أقدم وأعرق جامعة إسلامية على مر العصور في التاريخ الإسلامي، حفظت لنا الدين ومراجعه وكتبه لمدة ألف سنة وأكثر، وآخرهم كان الشيخ محمد سليمان الأشقر، فهل يعقل أن الأغلبية الساحقة من أمة الإسلام على باطل؟ والحديث الشريف يقول: «ما اجتمعت أمتي على ضلال»... أين مصداقية هذا الحديث عند من يعارض، غفر الله لنا ولهم ولكم كل ذنب عظيم؟!).

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top