الديمقراطية قيمة وأسلوب إدارة، وهي أفضل ما اخترعه العقل البشري، لذلك يبدي بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي قلقا عظيما نتيجة عزوف فئة الشباب عن الإدلاء بأصواتهم، فنسبة من يصوّتون منهم تتدنى إلى 46% فقط، ولأنهم هناك يعتبرونها حالة مرضية، قاموا بتكليف مختصين لتحليل الظاهرة واقتراح حلول للتعامل معها، وليس مهما ما إذا كان العزوف سببه ثقة مفرطة مبررها أن النظام سليم ويعمل بتصويتهم أو من دونه، أو ناتج عن انعدام الثقة واليأس من قدرتهم على التغيير، فالمهم أن يقوم كل إنسان، خصوصا الصغار بمسؤولياتهم الديمقراطية.
على الطرف الآخر من العالم، تجاوز رئيس وزراء تايلند الحالي وأتباعه صناديق الاقتراع ونتائجها عندما لجأ أعوانه قبل عام إلى محاصرة دور الحكومة، وأصابوا قطاع السياحة المهم جدا بشلل عندما قاموا بمحاصرة المطار لإسقاط رئيس الوزراء الأسبق الملاحق قضائيا في الوقت الحاضر، وقبل بضعة أيام قام أعوان رئيس الوزراء الأسبق وبالقمصان الحمر هذه المرة بمحاصرة مقار الحكومة، والأهم أنهم تسببوا بإلغاء الاجتماع المهم للآسيان، وهو أهم تجمع قمة اقتصادي آسيوي، بعد حصار عنيد لمقر الاجتماع وسكن رؤساء الدول الضيوف.وليس مهما ما إذا كان رئيس الوزراء السابق فاسد أو غير فاسد، المهم، هو أن الأسلوب غير الديمقراطي العنيف الذي استخدم في إقصائه، كان نفس الكأس الذي سيشرب منه الرئيس الحالي، أو ثمن تجاوز صناديق الاقتراع. وفي الكويت تدخل مسؤولون كبار، ويفترض أنهم عقلاء، في لعبة خطرة هذه المرة، وهي دفع الناس إلى الكفر بالديمقراطية، والتبشير بعزوف الناس عن الاقتراع في الانتخابات القادمة. لا أحد يتعظ بالحكمة والنضج الأوروبي، ولا أحد يتعظ من بلاهة التصرفات التايلندية، وما يفصل بين التجربتين، هو الشعور بالمسؤولية تجاه البلد والمستقبل، أو الحكمة مقابل الغباء، أو التقدم مقابل التخلف. وليت الأمر اقتصر على كبار المسؤولين، ولكن التطاول على النهج الديمقراطي امتد إلى بعض المخلصين، ولكن قصيري النظر منهم، وإلى جمهور الفاسدين الذين لا يهمهم خراب البلد وإفلاسه في سبيل حفنة من الأموال يحصلون عليها بالتملق أو السرقة. وأصبحت موضة هذه الأيام هي التبشير بهذا العزوف وحتى تبريره، وسوف يفرح البعض إذا جاءت تركيبة المجلس القادم خربة. لقد تحركت الحكومة أخيراً مرة عندما أعطت الإذن لفرق إزالة التعديات على أملاك الدولة، وكان تحركاً حصيفاً، ومرة ثانية عندما بدأ البعض العبث بأسس الأمن الوطني بتأليب ديني أو اجتماعي على السلطات العامة للدولة، وكان تحركا آخر حصيفاً، وفي الحالتين لم تفعل الحكومة غير إعمال سيادة القانون. وليت كبارها يعممون حركة الخير تلك لتشمل صيانة الدستور والقبض على كل من يتطاول عليه أو يدعو إلى تعطيله وتحويله إلى النيابة العامة. فالتعدي على أملاك الدولة، أو على أسس وقواعد الأمن الوطني، أو حتى عدم احترام إشارة المرور أو حدود السرعة أو حارة الأمان على الطرق السريعة، كلها أعراض لمرض عضال واحد، هو تاريخنا الحافل في عدم احترام الدستور. وليت الحكومة تعلن، كما فعل الاتحاد الأوروبي، قلقها، أو معارضتها مبدأ العزوف أو الترويج له من قبل المحسوبين عليها. أما دعوتي للأحباء شركاء الوطن ومحبيه، فهي دعوة صادقة ليس فقط لنبذ العزوف عن التصويت، ولكن العمل معا على تجريمه، فالعزوف عن التصويت من المخلصين هو تصويت لمصلحة الفاسدين والمتعصبين للطائفة أو القبيلة أو المنطقة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
الانتخابات ونشاز العزوف
19-04-2009