أصدرت وزارة الخزانة الأميركية مطلع الأسبوع، قراراً يقضي بتجميد حسابات وأصول جمعية إحياء التراث في الولايات المتحدة الأميركية، لأنها «اتخذت من أنشطتها الخيرية والإنسانية غطاءً لتمويل أنشطة إرهابية»، كما جاء في حيثيات القرار.

Ad

وهذه ليست المرة الأولى لجمعية إحياء التراث، وهي الواجهة لتنظيم السلف في الكويت، أن تُتهم بتمويل عمليات أو تنظيمات إرهابية، فقد تعرضت لسلسلة الاتهامات في موسكو عام 2002، ومنذ ذاك تعرض بعض كوادرها للاعتقال، وداهمت قوى الأمن مقراتها للتفتيش، وأُغلقت مكاتبها في ألبانيا وأذربيجان وبنغلاديش والبوسنة وكمبوديا وروسيا.

وفي كل مرة يتكرر السيناريو نفسه، خبر تتناقله الصحف المحلية، ثم تصريحات لمسؤولين في وزارتي الخارجية والشؤون، يعقبها بيان من جمعية إحياء التراث، يتضمن شكرها لوزارة الخارجية على موقفها الداعم للحق الكويتي، وتوضيح بأن جمعية إحياء التراث الإسلامي لا تمول ولا ترعى الإرهاب، وأن تواجدها في دول العالم فقط للعمل الخيري، وأحياناً تضاف فقرة إما ضد اللوبي الصهيوني الذي يستهدف العمل الدعوي الخيري، أو أن هناك مَن يتربص بالعمل الخيري الكويتي، أو أن المطلوب تقديم الأدلة بدلاً عن إلقاء التهم جزافاً، وكأن العالم بسياسييه، لا هم لهم إلا ملاحقة وتشويهة العمل الخيري الكويتي.

وفي الكويت، يمارس نواب هوايتهم بفرض الرقابة على الناس، والتلصص على حرياتهم الشخصية، مستندين إلى الدستور، ويقصرون العمل التشريعي على إصدار قوانين تلاحق المتشبهين بالجنس الآخر، ومحاربة الظواهر السلبية، وبين مواطنيها مَن اُعتقل في غوانتنامو، ومَن فجر نفسه، ومَن ينتمي إلى خلايا إرهابية نائمة، ومَن صدرت بحقهم عقوبات دولية بتجميد أموالهم لعلاقتهم بالإرهاب، ومَن لايزال تحت المراقبة، و«مواطن سابق» كان يوما ما المتحدث الرسمي باسم تنظيم «القاعدة»، كل هذا، ونحن لانزال مقتنعين بأن هناك مؤامرة تحاك ضد التيار الديني من جهة، وضد العمل الدعوي والخيري الكويتي من أخرى.

التيار الديني في الكويت، بدعم وتواطؤ من السلطة، وضعنا على قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وأرسل مواطنينا ليساقوا إلى حتفهم في دول العالم بحجة دعم الإسلام ومناصرة المسلمين، بدءاً من أفغانستان وانتهاء بالعراق، وفرض رقابته على المجتمع، وتحول رموزه إلى نجوم تلفزيون وإذاعة، يدشنون يومك بالإفتاء، ويصاحبونك حتى المساء والسهرة بتفسير الأحلام، والتهجم على الآخرين.

إن تراجع الكويت إلى دولة ينهشها الفساد المالي والإداري والأخلاقي، يتحمل مسؤوليته نظام تنازل عن دوره في إدارة البلد، للتيار الديني الذي وجد فيه مارداً يخيف به الآخرين، ويمكن السيطرة عليه، وهذه اللعبة، أفقدت الكويت موقعها الريادي، وحولتها من دولة صاحبة مشروع، إلى «مشروع دولة» أزمات متلاحقة، تستهلها السياسة، ويختمها احتمال انقطاع الكهرباء والماء في الصيف، مع ذلك، لانزال نؤمن بأن الإسلام المسيّس هو الحل، وأن «هناك خصومة مع التيار الإسلامي»!

إن قضية إحياء التراث، ليست سوى قمة الجبل الجليدي، الذي يبدو أن الدولة متجهة إليه بكل طاقتها، رغبة بالتحطم، وتاركة المواطن البسيط يتأمل أي حال كنا عليه، وإلى أي منقلب انقلبنا، بفضل السلطة، ورعايتها للتيار الديني، والعمل الخيري الكويتي، وكأن العمل الخيري الكويتي يختلف عما عداه من أعمال خير.