ما قل ودل: تقييم قانون الاجتماعات بين المجلس و الدستورية
البادي من استعراض نصوص قانون الاجتماعات العامة التي قضى الحكم بعدم دستوريتها، أنها تجرّم حمل السلاح للمشتركين في الاجتماع العام (مادة 8)، وعدم جواز امتداد الاجتماعات العامة إلى ما بعد الثانية عشرة مساءً (مادة 9) وأن يكون لكل اجتماع لجنة نظام (مادة 10).
طرحت في مقال سابق، أن الحكم الدستوري الصادر في 1/5/2006 بعدم دستورية بعض نصوص قانون الاجتماعات العامة، قد جاوز نطاق الدعوى الدستورية في ما قضى به من عدم دستورية تعريف الاجتماع العام، الذي لم يكن لازماً أو ضرورياً للفصل في الدعوى الدستورية المطروحة أمام المحكمة، ويعتبر قضاءً خارج الدعوى الدستورية التي أحيلت إليه، ونستعرض في هذا المقال باقي نصوص القانون التي قضت المحكمة بعدم دستوريتها، خارج نطاق الدعوى الدستورية.الحكم بعدم دستورية المواد 5 و6 و16:وكان قضاء المحكمة بعدم دستورية المادة (4) من هذا القانون كافياً، كذلك لتحكم المحكمة الجزائية ببراءة المتهمين، من اتهامهم بعدم الحصول على ترخيص لعقد اجتماع عام، ودون حاجة إلى القضاء بعدم دستورية المادة (16) التي تقرر عقوبة جزائية على مخالفة هذا الحكم، أو بعدم دستورية المادتين 5 و6 اللتين حددتا بيانات طلب الترخيص وعدد الموقعين عليه وتوقيعاتهم وميعاد تقديم الطلب وتحديد مكان وزمان الاجتماع، إذ تسقط كل هذه المواد تبعاً لهذا القضاء بعدم دستورية المادة (4) من القانون، لأن الفرع يتبع الأصل وجوداً وعدماً.الحكم بعدم دستورية باقي مواد القانون:كما قضت المحكمة بعدم دستورية باقي النصوص التي تنظم الاجتماعات العامة في هذا القانون، تأسيساً على ما جاء في أسباب حكمها من أنه لما كانت المواد..... مترتبة على المادتين (1) و(4) بما مؤداه ارتباط هذه النصوص ببعضها بعضا ارتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة، فإن عدم دستورية المادتين (1) و(4) وإبطال أثرها يستتبع -بحكم اللزوم والارتباط- أن يلحق هذا الإبطال النصوص المشار إليها، ولم يبين لنا الحكم أوجه الارتباط واللزوم التي بنت عليها المحكمة قضاءها سالف الذكر، الأمر الذي يصبح معه هذا القضاء بالنسبة إلى هذه النصوص قائماً على غير سبب، وهو ما لا يجوز في الأحكام القضائية.تقييم القانون وملاءمته عمل المشرع: والبادي من استعراض باقي نصوص قانون الاجتماعات العامة التي قضى الحكم بعدم دستوريتها، أنها تجرّم حمل السلاح للمشتركين في الاجتماع العام (مادة 8)، وعدم جواز امتداد الاجتماعات العامة إلى ما بعد الثانية عشرة مساءً (مادة 9) وأن يكون لكل اجتماع لجنة نظام (مادة 10)، وأن يكون من حق رجال الشرطة فض الاجتماع (مادة 11)، عندما تقتضي حماية الأمن العام ذلك.وهي نصوص كان يجب على الحكم أن يترك إعادة النظر فيها وتقدير ملاءمتها للمشرع ليعيد تنظيمها، بما يحقق الصالح العام ويحافظ على الآداب العامة والنظام العام بمدلولاته الثلاثة، الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة، وهي أمور يجب على المشرع أن يضع وسائل حمايتها، بما لا يخل بالحقوق والحريات العامة.والواضح أن الحكم -خارج- نطاق الدعوى الدستورية قد أجرى تقييماً للقانون، من حيث ملاءمته، ورقابة سابقة على ما سوف يكون عليه التشريع القادم، في هذه المسائل، وهو ما لا يتفق مع طبيعة الحكم القضائية، ومع طبيعة الرقابة القضائية في الكويت باعتبارها رقابة لاحقة، وهو ما يقتضي بحث مسؤولية مجلس الأمة بعد صدور هذا الحكم.مسؤولية مجلس الأمة:من المقرر أن دور المحكمة الدستورية ينتهي بإصدار حكمها بعدم دستورية القانون دون خوض في ما ينبغي أن يكون عليه التشريع البديل الذي سوف يصدر ليحل محل التشريع الذي قضى بعدم دستوريته، بل تسترد السلطة التشريعية حقها الأصيل في بحث ملاءمة إصدار تشريع جديد خالٍ من الشائبة الدستورية التي وصمت التشريع السابق أو الاكتفاء باعتبار هذا التشريع كأن لم يكن دون التدخل بتنظيم جديد للمسألة التي كانت محل تنظيم التشريع المقضي بعدم دستوريته إن كان ذلك لا يترك فراغاً تشريعياً.وربما أراد مجلس الأمة، أن يصبح حق الاجتماع حقاً طليقاً من كل تنظيم عندما لم يحرك ساكناً في تنفيذ مقتضى الحكم بعدم دستورية بعض نصوص قانون التجمعات منذ صدوره في أول مايو سنة 2006 لإعادة تنظيم حق الاجتماع وفقاً لما كشف عنه الحكم.إلا أن غياب مثل هذا التنظيم سوف ينطوي على مخالفة لأحكام المادة (44) من الدستور التي عهدت إلى المشرع بمثل هذا التنظيم، وهو ما يضع مجلس الأمة القادم أمام مسؤوليته في إقرار قانون جديد لتنظيم الاجتماعات العامة خال من العوار الدستوري الذي كشفت عنه المحكمة الدستورية، بعد أن أعلنت الحكومة عزمها تقديم مشروع قانون بتنظيم حق الاجتماع.وأجزم أن هذا المشروع، سوف يكون مثاراً لخلاف بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، حول حجية الحكم بالنسبة إلى النصوص التي قضت المحكمة بعدم دستوريتها، خارج نطاق الدعوى الدستورية المحالة إليها، وهو ما يقتضي إلقاء الضوء على هذه الحجية في مقال قادم بإذن الله.