ما قل ودل: الضرورة الملجئة لإصدار المراسيم بقوانين
- مراسيم الضرورة والفصل بين السلطات
في تناولي للمراسيم بقوانين في مقالي "ما قل ودل" الاثنين الماضي، قلت إن البعض اعتبرها ثغرة في مبدأ المشروعية، وهو رأي محل نظر، ذلك أنه لا يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي هو جوهر النظام الديمقراطي ويقوم عليه نظام الحكم في الكويت وفي غيره من الأنظمة الديمقراطية البرلمانية، والذي تستأثر فيه السلطة التشريعية بإقرار القوانين، مع تولي السلطة التنفيذية سلطة التشريع في أحوال الضرورة، في غياب مجلس الأمة، حتى لا يحدث فراغ تشريعي، عندما يواجه النظام في الدولة، أموراً تتطلب ســرعة تدخل الدولــة لتنظيـمها بقانون. وهو ما واجــه به الدســتور، هذه الحالة، بالنص في المادة (71) على أنه: "إذا حدث فيما بين أدوار انعقــاد مجلـس الأمــة أو في فترة حلـــه، ما يوجــب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جـاز للأمير أن يصدر في شأنهــا مراسيم تكون لها قوة القانون". - الضرورة أوسع نطاقاولأن التدابير التي لا تحتمل التأخير، والتي اعتبرها الدستور ركناً أساسياً في إصدار هذه القوانين بمراسيم، هي تطبيق لمبدأ الضرورة الذي يهيمن على النظام القانوني في الدولة، فقد أصبح يطلــق عليها مراسيم بقوانين الضرورة.ولا يقتصر على النظام الدستوري، فحق الدفاع الشرعي في القانون الجزائي وفي القانون الدولي، والظروف الطارئة التي تبرر للقاضي تعديل العقد، سواء في القانون الخاص، أو بالنسبة إلى العقد الإداري في القانون العام، كلها تطبيقات لنظرية الضرورة، التي أخذ فيها الفقه الإسلامي بالقاعدة الشرعية التي تقول إن الضرورات تبيح المحظورات. ولأن الدستور، قد عبر عن حالة الضرورة، بالتعبير الذي ارتضاه ليكون الركن الأساسي في المراسيم بقوانين، وهو "سرعة اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير"، في ظل التفسيرات المتعددة لحالة الضرورة، لذلك كان البرلماني الفذ الأخ الفاضل مشاري العنجري نائب رئيس مجلس الأمة السابق دقيقاً فيما انتهى اليه في مقاله المنشور بصحيفة "القبس" يوم الاثنين الماضي والذي رأى فيه وتحت هذا العنوان أنـه "ليست كل ضرورة لا تحتمل التأخير". وهو رأي اتفق فيه مع معاليه لأن الضرورة، أوسع نطاقاً، من التعبير الذي تبناه الدستور في المادة (71) وهو "تدابير لا تحتمل التأخير"، عندما تكون هذه التدابير بطبيعة الحال، من المجالات المحجوزة للقانون، وتقتضي السرعة في اتخاذها بإصدار مراسيم بقوانين. وأساس ذلـك أن الضرورة أوسع نطاقاً من التدابير التي لا تحتمل التأخير وأن حاجة المواطن الى سكن ضرورة، والحاجة الى الرعاية الصحية ضرورة، والمعونة الاجتماعية ضرورة، والمعونة في حالة العجز عن العمل ضرورة، وخدمات التأمين الاجتماعي ضرورة، والتعليم ضرورة، والعمل ضرورة، إلا أن تنظيم كل هذه المجالات يكون بتشريع عادي تقره السلطة التشريعية وليس من خلال مراسيم بقوانين تقرها السلطة التنفيذية، ولو في غياب مجلس الأمة، باعتبارها تشريعات استثنائية، إلا إذا كانت هناك- لا قدر الله- كارثة إنسانية تقتضي توفير سكن إيواء لمن تعرضوا لهذه الكارثة ولو بالاستيلاء المؤقت على بعض المساكن الخاصة الخالية، أو انتشار وباء، يقتضي تقديم نوع من الرعاية الصحية للمواطنين في مناطق معزولة، لا يكون للمريض فيها أي اختيار، بما يقيِّد حريته في الإقامة والتنقل، في كل هذه الظروف الاستثنائية، تبدو الحاجة، أمام السلطة التنفيذية، إلى إصدار مراسيم بقوانين بتدابير لا تحتمل التأخير.- الضرورة الملجئة ورقابة مجلس الأمة ومن هنـا فإنـه يمكن أن نطلـق على الضـرورة التي تجسدها التدابير التي لا تحتمل التأخير، في مفهوم المادة 71 من الدستور، بأنها الضرورة الملجئة لاتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير. والأصل في الضرورة الملجئة لاتخاذ هذه التدابير، أن توافرها من عدمه، هو تقديـــر تمارســـه السلطة التنفيذية، في غيــاب مجلــس الأمة، تحت رقابته، عند عرضها عليه، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائماً، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض عليه زال بأثر رجعي ما لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر.وهي رقابة يمتزج فيها تقدير توافر حالة الضرورة، برأي مجلس الأمة في التدبير الذي تم اتخاذه في غياب المجلس لمواجهة حالة الضرورة، فقد يصوت مجلس الأمة برفض إقرار مرسوم بقانون، رغم قناعة أعضائه بتوافر الضرورة الملجئة لإصداره، إذا اختلف تقدير مجلس الأمة مع تقدير الحكومة فيما اتخذته من تدبير لمواجهة هذه الحالة، بأن اعتبر المجلس أن التدبير غير كاف، أو أن المرسوم عالج الحالة التي نظمها بطريقة تختلف عن الطريقة التي يراها أصلح لهذه المعالجة، وهو ما يتوقع أن يدور حوله النقاش بالنسبة الى المرسوم بقانون بتعزيز الاستقرار المالي للدولة.حالات لا تقدير لمجلس الامة فيها إلا أنه لا تقدير لمجلس الأمة في توافر حالة الضرورة من عدمه في الحالات الثلاث التاليـة: 1 - عندما يكون المرسوم بقانون مخالفاً للدستور.2 - عندما يكون المرسوم بقانون مخالفاً للتقديرات المالية الواردة بالميزانية. 3 - عندما يكون صدور المرسوم بقانون، بعد حل مجلس الأمة، ضرورة مستمدة من نص الدستور، كما في حالة صدور مراسيم بقوانين الميزانية، التي لم يقرها مجلس الأمة بعد إحالتها إليه، إذا بدأت السنة المالية الجديدة قبل أو بعد حل مجلس الأمة، لأنها تصبح ضرورة بنص الدستور، تلزم السلطة التنفيذية بإصدار الميزانيات الجديدة في هذا التوقيت.وللحديث بقية إن كان في العمر بقيـة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء