البدوي ينسى حذاه والحضري ينسى عصاه
يروى أن بدوياً كان له صديق حضري وكان يزوره كلما أتى إلى المدينة لقضاء أعماله، وقد ينزل ضيفاً عليه في بعض الأحيان، وفى إحدى زياراته جاء البدوي معه بعصا من العصي التي يتوكأ عليها فأهداها إلى صديقه الحضري فتقبلها منه صديقه قبولاً حسناً، وشكره على ذلك، أما الحضري فقد لاحظ أن صاحبه البدوي يسير حافي القدمين فذهب إلى السوق واشترى حذاءً جديداً فأهداه إلى صاحبه البدوي، ففرح البدوي بذلك وتقبل الحذاء من صديقة شاكراً مسروراً. وفي أحد الأيام ذهب الحضري إلى زيارة أحد الأشخاص البارزين المعروفين في المدينة وكان بصحبته صاحبه البدوي، وكان البدوي يحتذي حذاءه الجديد والحضري يحمل عصاه ويتوكأ عليها، فجلسا عند الرجل زمنا يسيراً، ثم استأذنا بالانصراف، وودعاه وخرجا وبعدما صار الاثنان في الطريق اكتشف البدوي أنه قد نسي حذاءه في بيت الرجل، كما اكتشف الحضري أنه قد نسي عصاه هناك أيضاً، فرجعا إلى بيت الرجل فأخذا منه ما نسياه، وذاع ذلك الخبر بين الناس فقالوا فيه «البدوي ينسى حذاه... والحضري ينسى عصاه»، وأصبح هذا المثل يضرب لمن تتمكن فيه العادات والتقاليد وتصبح جزءاً من سلوكه.
هذا المثل ينطبق على ما يمكن توقعه من سلوك للناخبين في الانتخابات القادمة، فرغم أن الكثيرين من المواطنين متذمرون من أداء نواب مجلس الأمة السابق، فإن هؤلاء الناخبين عندما يذهبون إلى صناديق الانتخابات سيعودون إلى ممارسة عاداتهم وتقاليدهم الموروثة التي أصبحت جزءاً من ثقافتهم، وهي الثقافة التي أوصلت النماذج السيئة من النواب إلى مجلس الأمة، وبالتالي فإن الأغلب الأعم من الناخبين سينتخب وفق عصبياته القبلية والطائفية والطبقية بعيداً عن معايير الكفاءة، وتبعاً لذلك قد يصل إلى مجلس الأمة مَن لا يصلح حتى أن يكون راعياً للغنم، ووفقاً لهذه الأمراض الاجتماعية، فمن المتوقع أن تكون تركيبة المجلس القادم مطابقة إلى حد كبير لتركيبة المجلس السابق، لأن عقليات أفراد المجتمع لا تتغير بسرعة، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تزرع سدراً وتتوقع أن تحصد منه عنباً لذيذ الطعم. أعتقد أن من الخطأ وضع اللوم على أعضاء مجلس الأمة في سوء الأداء والعلاقة المتأزمة دائماً مع الحكومة، فهؤلاء النواب ليسوا سوى نتاح لرغبة الناخب الكويتي، فهم لم ينزلوا في مجلس الأمة عن طريق «البارشوت»، ولم يأتوا على ظهر دبابة، إنما جاؤوا برغبة الناخبين، وبالتالي فالعيب عيب الناخبين وليس عيب الأعضاء، وهذا هو شعبك يا «بو سالم».ولكن حتى لو غضضنا النظر عن سوء أداء كثير من نواب المجلس السابق، خصوصاً خريجي مدرسة الفرعيات، فإن استمرار الأزمة السياسية في الكويت التي استدعت حل مجلس الأمة ثلاث مرات واستقالة الحكومة خمس مرات خلال فترة لا تتجاوز الثلاث سنوات، ليس سببها الأساسي هذه النوعية من النواب، بل الأزمة في عمقها مجموعة من الصراعات السياسية الخطيرة، وأخطرها الصراع بين أجنحة في الأسرة الحاكمة نفسها، التي لم يعد خافياً أن بعض أفرادها يحيك المكائد للبعض الآخر، ويريد عرقلته بعيداً عن أعين الحكم وعن كاميرات البث التلفزيوني، وهو في ذلك يستخدم بعض «فتوات» المجلس لضرب منافسه. في المقابل فإن الصراعات داخل الكتل السياسية ذاتها عميقة، وبين رموزها ما صنع الحداد، ومشكلة أغلب الكتل السياسية أنها لا تخطط تخطيطاً استراتيجياً للمستقبل، فهي تتعامل مع الأوضاع بطريقة ردات الفعل، ولعل إدمان أغلب رموز الكتل السياسية في الترشح لمجلس الأمة لعشرات السنين دون إعداد كوادر شابة تحل محلها دليل على قصر النظر، وربما الأنانية وحب الذات، وهو يؤدي إلى الضعف الحاصل في التيارات السياسية وترهلها. هناك ما لا يقل عن عشرة نواب لابد أن يفكروا بجدية في اعتزال العمل البرلماني كما فعل النائبان السابقان مشاري العنجري وصالح الفضالة، بدلاً من أن يختموا حياتهم السياسية بصدمة مؤلمة، خصوصاً أولئك الذين مضى على وجودهم في المجلس أكثر من ربع قرن.