التأجيج الطائفي... لمصلحة من؟

نشر في 13-10-2008 | 00:00
آخر تحديث 13-10-2008 | 00:00
 د. بدر الديحاني من غير المستغرب أن يبرز على السطح في هذه الفترة الحرجة من تاريخ المنطقة دعوات ممجوجة ينادي أصحابها لمزيد من التهييج والصراع والتناحر الطائفي. فالصراع الطائفي عبارة عن سلاح سياسي متدثر بغطاء ديني تستخدمه الأطراف السياسية المتنازعة لحسم صراعاتها. ويبين لنا التاريخ السياسي الإسلامي خصوصا أن الصراع المذهبي هو في الأصل صراع سياسي للتنازع على الحكم، ولكنه غُلِّف برداء ديني، واستمر كذلك حتى هذه اللحظة.

ولو اطلعنا على التاريخ الإنساني بموضوعية، فسنرى أن التناحر المذهبي يكون عادة على أشده أثناء ارتفاع حدة الصراعات السياسية ووعورة المنعطفات التاريخية، لأن القوى المتصارعة كافة تحاول أن تستخدم كل ما تستطيع استخدامه، بما في ذلك الدين، لتغليب وجهة نظرها. وكما هو معروف، فإن العامل الديني يعتبر عاملا مؤثرا جدا في توجيه سلوك البشر والتحكم فيه.

وحتى لا نذهب بعيدا في استرجاع الأحداث التاريخية، دعونا نأخذ على سبيل المثال وليس الحصر فترة الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي حيث استخدم أثناءها التأجيج الطائفي لمآرب سياسية، وكان الفرز الطائفي البغيض على أشده في دول المنطقة كافة، وكلنا نتذكر ما عانيناه في الكويت من تناحر طائفي مقزز بلغ ذروته بالتفجيرات الدامية والمحاولة الفاشلة لاغتيال المغفور له الشيخ جابر الأحمد، رحمة الله عليه. بالإضافة إلى ذلك، فقد استخدم الدكتاتور المقبور صدام حسين العامل الديني في مغامراته السياسية الطائشة كلها، فلانزال جميعا نتذكر إضافته عبارة «الله أكبر» على العلم العراقي من أجل «تديين» حروبه العبثية العديدة والإيحاء زورا وبهتانا بقدسيتها.

لذا فإنه من المستغرب الآن، وبعد أن عانينا ما عانيناه من عبثية الفرز الطائفي أن يأتي من يحاول جر شعوب ودول المنطقة، ولأسباب سياسية مكشوفة، إلى صراع طائفي كريه لن يكون فيه طرف منتصر كما تبين لنا التجارب الإنسانية في العالم أجمع.

وقد كانت بيانات القرضاوي الطائفية التي برزت، أو بالأصح أبرزت إعلاميا، فجأة والردود عليها من الطرف الطائفي الآخر هي إحدى هذه المحاولات الطائفية البغيضة حيث إن كل موتور يقابله موتور آخر بنفس القوة وفي الاتجاه المضاد. إن الصراع الطائفي الذي يدعو له القرضاوي أو معارضوه على الطرف الطائفي الآخر لا ينطوي على أي مصلحة لشعوب المنطقة التي تواجه تحديات تنموية كبيرة وصعبة تتطلب توافر البيئة السياسية المناسبة للتعاون والتعايش السلمي فيما بينها لمواجهة هذه التحديات بدلا من إشغالها وإلهائها في اختلافات وخلافات مذهبية مضى عليها قرون سحيقة.

إن المتابع لما تمر به المنطقة العربية في الفترة الحالية من متغيرات سياسية سريعة، لن تفوته ملاحظة الكثير من البؤر السياسية الملتهبة التي تساهم في زيادة اشتعالها أطراف إقليمية ودولية متعددة، والتي لن تكون نتيجتها في مصلحة شعوب ودول المنطقة في حالة إنجرارها إلى صراع طائفي كريه بدأت أطراف سياسية معينة في قرع طبوله.

لقد سئمنا، نحن شعوب المنطقة، الحروب والصراعات السياسية الإقليمية التي لم- ولن- نستفد منها، ولن تجلب علينا إلا المزيد من الدمار البيئي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والمزيد من التخلف التنموي والسياسي، وقد آن الأوان لنرفع أصواتنا عاليا لوقف هذه الحروب ولإسكات الدعوات المشبوهة التي تهدف إلى جرنا إلى الكره الطائفي والاقتتال المذهبي.

back to top