الوقت والزمان
«الوقت» أحد مفاهيم الزمان في القرآن الكريم، وهو لفظ في اللغة المتداولة مثل «الوقت فات»، وقد ورد اللفظ في القرآن ثلاث عشرة مرة في عدة صيغ اسمية وفعلية... كلها اسمية إلا مرة واحدة فعلية، والاسمية كلها مفرد إلا مرة واحدة «مواقيت» بالجمع، والصيغة الاسمية المثلى «ميقات»، سبع مرات أي أكثر من النصف أي وقت الفعل وليس الوقت المجرد. ومن الأسماء مرة واحدة صفة «موقوت» أي لها وقت. ومن الأسماء، مرات أربع مضافة إلى الضمير، ضمير المتكلم أو الغائب الجمع، مما يدل على أن الوقت إنساني مرتبط بالشعور وليس بحركات الأفلاك. وتدور معاني اللفظ حول خمسة محاور رئيسة:
الأول، وقت الصلاة المحدد «إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا»، من أجل الإحساس بالوقت وحدوث الأفعال فيه، وهي أفعال الإيمان الضرورية التي تتم في الزمان، على الفور وليس على التراخي، في أول الوقت وليس في آخره، جماعة وليس أفرادا، أداء في الوقت وليس قضاء بعد فوات الوقت. الوقت هنا يعني اللحظة، لحظة الأذان والقيام، ففي اللحظة يتم الاتصال بالخلود، وهي اللحظة المتميزة التي ينعزل فيها المؤمن من الحياة الأفقية إلى الحياة الرأسية، وهي لحظة التذكر بالواجب الأسمى أثناء أداء الواجبات اليومية، وليس الوقت سواء، فيه هذه اللحظات المتميزة لأداء الأفعال والتذكير بأداء الواجبات، على عكس إحساس الموظف بالوقت، يأتي إلى العمل متأخرا، ويغادر مبكرا، ويمر وقت العمل دون أداء الواجبات، متكاسلاً، تستوي عنده كل الأوقات، كل الوقت فارغ من العمل، وهو ما يسمى في اللغة الشعبية «وقت الفراغ»، وطرح علماء الاجتماع والتربية مشكلة زائفة، كيفية قضاء أوقات الفراغ.والثاني، مواقيت الهلال وما سمي في الجغرافيا منازل القمر، وتدرجها من الهلال إلى التربيع الأول إلى المنتصف إلى التربيع الثاني إلى البدر ثم تناقصه من البدر إلى الهلال من جديد «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ». فالأهلّة ظاهرة طبيعية في الزمان الكوني، ولكن دلالتها ليست في علم الفلك بل في الاسترشاد بها في الحياة الإنسانية في مواقيت بدايات الشهور ووقت الأعياد للصوم والحج، بالرغم من ارتباط مواقيت الصلاة بالشروق والغروب، بالشمس وليس بالقمر، فالسؤال عن الموضوع إجابته في علاقة الموضوع بالذات أي إجابة إنسانية وليست إجابة طبيعية رياضية، فالعالم من أجل الذات، وليس من أجل نفسه. والعلوم الرياضية والطبيعية هي في نهايتها علوم إنسانية لأنها مرتبطة بالإدراك والرؤية، والقصد والمنفعة. والثالث الموعد، موعد اللقاء بين طرفين، تحديد لزمان الفعل، فقد واعد الله موسى أربعين ليلة «وَأتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»، وهو موعد لقاء الأنبياء مع الله، خاص بموسى الذي كان يريد لقاء الله ورؤيته، فلقيه الله دون أن يُرى «وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ». يُسمع الله صوته ولا يُري صورته، فالسمع أقرب إلى القلب من البصر، وأقرب إلى التنزيه منه إلى التشبيه، لذلك كان القرآن من الفنون السمعية وليس من الفنون البصرية، أقرب إلى الموسيقى والشعر منه إلى الرسم والتصوير والنحت والزخرفة وجميع الفنون التشكيلية. وهو موقف الرومانسيين من الفن. وهو أيضا موعد لقاء إنساني مثل موعد لقاء السحرة وفرعون موسى للبرهنة على صدق نبوته «فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ»، وهو موعد لقاء البشر جميعا مع الله في اليوم الآخر «قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ».والرابع حياة الرسل المحددة، فلكل رسول أجل، ولكل نبي عمر، والكل يلتقي بالله يوم القيامة «وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ، لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ، لِيَوْمِ الْفَصْلِ». فالنبي له رسالة في زمانه. يبلغها للناس، والله هو الذي يحكم بينه وبين قومه يوم الفصل. فما على الرسول إلا البلاغ. فهو ميت وهم ميتون، وبالرغم من اتصاله بالوحي فإنه ليس خالدا. ولا يشارك الله في الخلود.والخامس يوم القيامة وهو الاستعمال الأكثر شيوعا، هو الوقت المعلوم، يوم الفصل «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا». وهو موعد الناس أجمعين «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ». وهو الوقت المعلوم بالرغم من أن موعده مجهول. أنظره الله لإبليس بعد أن طلب الوقت لغواية آدم بعد أن رفض السجود له «قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ». ولا يعلم تحديد هذا اليوم إلا الله «قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ».الحياة زمان، والعمر لحظة كما يقال في أحد عناوين الأفلام، والأفعال في الأوقات وحركة الأفلاك زمان إنساني، والمواعيد واللقاءات في الزمان، والرسل أحياء ثم أموات، ونهاية الزمان زمان. الزمان محدد في البداية بزمان الخلق، ومحدد بالنهاية بزمان البعث في اليوم المعلوم، والزمان بين البداية والنهاية سواء الزمان الكلي، زمان الخلق أو الزمان الجزئي، عمر الإنسان.* كاتب ومفكر عربي