لا مجال أمام الحكومة إلا أن تتقيد بقوانينها على الوجه الأمثل، وبالتالي فعليها أن تدرك أنه لن يمر مشروع الإنقاذ إلا بتمرير «لقمة» للناس، وكلما كبرت اللقمة، كبر الأثر، وضمنت الحكومة تمرير ما تشاء.

Ad

يمكن أن نلحظ جميعا وبسهولة أن فئات من النواب، كانت أبعد ما تكون عن الاهتمام بمسألة قروض المواطنين، قد قفزت اليوم إلى الحلبة وصار بعضها يعد بمفاجآت سارة للمواطنين، وصار بعض آخر منها يشدد على أهمية أن تشمل المعالجات الاقتصادية مشكلة القروض، وإن لم يفتهم التنبيه إلى عدم جواز ربط الأمر بمشروع قانون الإنقاذ الاقتصادي.

لكن بعيدا عن تفاصيل مشاريع هؤلاء ومقترحاتهم، وما هو جاد منها وما هو مجرد كلام فارغ تدغدغ به المشاعر، فدخولهم اليوم على الخط يؤكد أنهم أدركوا أنه لن يمكن تمرير مشروع الإنقاذ الاقتصادي، بأي صيغة كانت، إلا بإلهاء الناس.

الجميع صار يدرك هذه الحقيقة، إلا الحكومة، فهي الوحيدة التي لاتزال غير قادرة على إدراك أهمية إشعار عموم الناس بأنهم أولويتها الأولى، ورأس اهتماماتها، وعدم إدراك أن ضجيج هؤلاء الناس هو وقود محركات الجماعات السياسية التي صارت تضع العصا في كل دواليب الحكومة، وتهدد باستجواب الرئيس قبل الوجبات وبعدها وفي الصباح وقبل النوم، وذلك بفعل هذا الوقود الشعبي وخضوعا للابتزاز الإعلامي!

خلاصة الأمر، أن اليوم ومهما قيل عن عدم صحة شراء أو إسقاط قروض المواطنين، أو عدم عدالتها، أو غير ذلك من الحجج التي يأتي بها المعارضون، سواء أكانت موضوعية أم غيرها، فقد أضحى التعامل مع هذه القروض «لازمة حتمية» على الحكومة وعلى القوى السياسية وعلى جميع النواب المستقلين، إن هو أريد لمشروع الإنقاذ أن يمر.

يا سادتي، لسنا نعيش في ظل ممارسة سياسية موضوعية، ولسنا نشهد علاقة منطقية ما بين السلطات، حتى يظن البعض بأن الأمور تؤخذ بالنقاش العقلاني، وبالتالي كل ما على الحكومة، مثلا، أن تشرح بنود مشروعها بشكل علمي فيقتنع النواب، وأن تبدي في الوقت نفسه رفضها لإسقاط القروض شارحة الأسباب الاقتصادية لذلك، فينتهي الأمر، ولا أن تتقدم بخطتها الاستراتيجية فيناقشها النواب في أجزائها ليشرعوا بعدها في التنفيذ والمتابعة! لا يا سادة، كل ما عندنا هو علاقة مريضة غوغائية مشبعة بالابتزاز والغوغائية من طرف، وبالانهزام والضعف من الطرف الآخر!

دعوني أسألكم هل تقدم، على سبيل المثال، مَن عارضوا مشروع «داو كيميكال» حتى أوقفوه، في ذلك الوقت بأي معارضات علمية موضوعية؟ أم قصارى الأمر أنهم أججوا المسألة إعلاميا وقاموا بتثويرها شعبيا معتمدين على قصاصات وتسجيلات مبتسرة، وصولاً إلى التهديد باستجواب الرئيس حتى توقف المشروع، ليغدوا بعدها أبطالا؟!

لست اليوم أستشهد بمشروع «الداو» إلا لأجل ضرب المثال حتى ندرك كيف صارت الأمور تسير في واقعنا. لذا والحالة هذه، فلا مجال أمام الحكومة، ما دامت انصاعت لممارسة هذه اللعبة، إلا أن تتقيد بقوانينها على الوجه الأمثل، وبالتالي فعليها أن تدرك أنه لن يمر مشروع الإنقاذ إلا بتمرير «لقمة» للناس، وكلما كبرت اللقمة، كبر الأثر، وضمنت الحكومة تمرير ما تشاء.

نعم إنها كوميديا، لكنها كوميديا سوداء تمثل واقع الحال!