كلام كبير قالته حركة «حماس» بعد صفقة التهدئة مع إسرائيل التي استجدتها استجداءًَ، فهي حذرت في بيان لها حرصت على إيصاله حتى إلى صحف الحائط: بـ «ان كتائب القسام جاهزة وعلى أتم الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية تهزُّ دولة الكيان الصهيوني، إذا لم تلتزم بكل البنود التي اتفق عليها... إن العدو سيتحمل نتائج أي حماقات قد يرتكبها لأن يد المقاومة ستكون قادرة على الوصول إلى حصون العدو والبطش به».

Ad

وبعد يوم واحد فقط، ورداً على معلومات أميركية حول تدريبات جوية إسرائيلية لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، أطلق رجل الدين الإيراني المحافظ أحمد خاتمي (وهو لا يمت بصلة قرابة للرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي) تحذيراً مماثلاً لتحذير «حماس» الآنف الذكر، قال فيه: إنه لو هاجمت إسرائيل إيران فسيكون رد طهران «رهيباً»، وأضاف في خطبة الجمعة الماضية، «إذا كان الأعداء، وخصوصاً الإسرائيليين ومؤيديهم في الولايات المتحدة، يسعون إلى اللجوء للقوة فليكونوا واثقين بأنهم سيتلقون صفعة رهيبة».

والسؤال هنا هو: لماذا يا ترى لم توجه «حماس» ضربتها العسكرية التي هددت بها قبل إبرام صفقة الهدنة التي لم تتوصل إليها إلا بشق الأنفس، لتهزّ دولة الكيان الصهيوني وتبطش بها مادامت قبل هذه الصفقة وبعدها دولة معادية ومعتدية، ولاتزال- عملياً- تحتل فلسطين كلها بما فيها القدس الشريف وقطاع غزة المحاصر من الجهات جميعها، ومن الجو والبحر أيضاً؟!

ولماذا لم توجه إيران صفعتها الـ«رهيبة» إلى الإسرائيليين ومؤيديهم في الولايات المتحدة حتى قبل أن يلجأ هؤلاء «الأعداء» إلى القوة، مادامت طهران تعتبر إسرائيل وأميركا عدوين لا يمكن التصالح معهما، وأنهما يحتلان أرضاًَ عربية ويهددان ديار الإسلام والمسلمين!

لو كان لدى «حماس» فعلاً القدرة التي هددت بها الكيان الصهيوني وقالت إن كتائبها، كتائب «عز الدين القسّام»، على أتم الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية تهزّ دولة هذا الكيان، فإنه ما كان عليها أن تطارد صفقة التهدئة التي أبرمتها مع إسرائيل بوساطة مصرية كريمة، بل كان عليها أن تستخدم يدها القادرة لتصل إلى حصون هذا العدو المحتل وتبطش به، فهي بالأساس مقاومة أُنشئت من أجل تحرير فلسطين كلها من البحر إلى النهر، وهي بالأساس ترفض المفاوضات وترفض المساومات وترفض اتفاقات أوسلو والحلول السلمية.

«رحم الله امرأ عرف قدر نفسه فأوقفها عند حدها»... وحقيقة أنه غير مطلوب من «حماس» التي نزلت إلى ميدان المقاومة متأخرة نحو خمسة وعشرين عاماً، أن تهز دولة الكيان الصهيوني وأن تبطش بها فالعين بصيرة، لكن اليد قصيرة.

وفي مثل هذا الصراع المعقّد، وبعد هذه الحروب الخاسرة كلها التي خاضها العرب مع إسرائيل، حتى بما فيها حرب «الانتصار الإلهي» لصاحبها «حزب الله» بقيادة حجة الإسلام والمسلمين حسن نصر الله، فإن أكثر ما هو مطلوب هو النحت في الصخر الصواني بـ«رأس إبرة»، وهو تحقيق الأهداف القريبة وتأجيل الأهداف البعيدة، وهو القبول بما هو ممكن والتأسيس عليه ليصبح بالإمكان تحقيق ما هو غير ممكن لا في المرحلة الراهنة ولا في المدى المنظور.

ثم إنه، وبالمقدار نفسه، غير مطلوب أن توجه إيران إلى إسرائيل صفعة «رهيبة»، والسبب أنها غير قادرة على توجيه مثل هذا الصفعة، وإلا لكان عليها أن توجهها بصورة مباغتة ومن دون إنذار مسبق... فالمطلوب هو أن «تكف إيران شرّها عن العرب والفلسطينيين»، وأن توقف تدخلها السافر في شؤون العراق الداخلية، وأن تترك العراقيين يبنون دولتهم الموحدة والقادرة والمقتدرة... فتدمير هذه الدولة وتمزيقها طائفياً ومذهبياً على هذا النحو هو أكبر خدمة للإسرائيليين ودولتهم!.

لقد قامت حركة «حماس» بتسويق نفسها على الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين والعالم كله، على أساس أنها ترفض الصفقات وتعارض الحلول الجزئية، وأنها مقاومة مستمرة حتى تحرير فلسطين كلها، وأنها جاءت إلى الميدان لترث الحركة الوطنية الفلسطينية منذ البداية حتى النهاية، بحجة أن حركة «فتح» حادت عن الطريق وتخلت عن الكفاح المسلح... فلماذا يا تُرى تقبل الآن بتهدئة عرجاء استجدتها استجداءً في الذكرى الأولى لانقلابها الدموي المشؤوم مادامت «على أتم الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية تهز دولة الكيان الصهيوني ومادامت قادرة على الوصول الى حصون العدو والبطش به؟!» قليلاً من التواضع... قليلاً من التواضع!.

* كاتب وسياسي أردني