لقد حوّل المسيح الإنسان من متفرج إلى معنيّ، فالمتفرج مهما تكن معتقداته يبقى إنسانا متخاذلاً، والمرتزق يعمل لأهداف مادية، لأجر معين، أما الرسول فيؤمن بالحقائق التي يبشّر بها، ولا يعود يسأل عن «زاد للطريق... عن كيس وعن حذائين».

Ad

هذا القول للعماد اللبناني الحر ميشيل عون في كتابه: «رؤيتي للبنان» أثر فيّ كثيراً وأنا أعيد قراءته هذه الأيام... فهو يذكرني بأمرين اثنين أحدهما يعود إلى التاريخ القديم، حيث يصف القرآن الكريم موقف هذا النوع من المتفرجين بالمنافقين، وهم الفئة المتقاعسة عن نيل شرف خوض المعارك، لكنها بالمقابل تنتظر نتائج المعركة حتى تطالب بحصتها... وذلك بالقول: «مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء»، وذلك بعد أن يسبق ذلك بوصفهم، بالقول: «الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللهِ قَالُواْ ألَمْ نَكُن معَكُمْ وَإن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ ألَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم منَ الْمُؤْمِنِينَ...» إلى آخر الآية الكريمة من سورة النساء.

والآخر بأمر حاضر يحصل يوميا أمام أعيننا وهو حصار غزة الإسرائيلي والدولي والعربي الظالم لشعب أبي طالب الحديث المتمثل بغزة هاشم الصابرة على الأذى، حيث ينتظر العديدون انبلاج صورة نهاية المعركة، فإذا صمد الغزاويون طالبوا بنصيبهم من الانتصار، وإذا انكسروا- لا سمح الله- قالوا ألم نقل لكم إن معادلة الصواريخ لن تستطيع أن تنقذكم من حصار المجتمع الدولي!

أقول هذا ليس هوساً بموقف عماد الاستقلال والسيادة والحرية اللبناني الحر ميشيل عون، وهو يتخذ الموقف الشجاع تلو الآخر منذ أكثر من خمسة عشر عاما، وهو لا يبالي أيقع على الموت أو يقع الموت عليه، فالمهم بالنسبة إليه أن يكون مرضياً ربه في هذا الموقف ومرضياً إيمانه بالمسيح الثائر عليه السلام، الذي علمه ألّا يقف متفرجا في معارك الحق ضد الباطل، وبعد ذلك ليس مهماً أخسر شعبية هنا أم ربح شعبية هناك...أو أرضي عنه بطرك هنا أم غضب عنه بطرك هناك، أحصل على زاد وكيس هنا أم خسر درهما هناك، المهم أن يكون متصالحا مع ضميره المسيحي الطاهر والمطهر من لصوص الهيكل!

نعم لا أخفي بأنني مسكون بموقف هذا الرجل العصامي الذي راهن على موقف المقاومة الإسلامية البطلة يوم الحرب العالمية المعلنة ضد وطنه لبنان، وضد المقاومة وسيدها منذ اليوم الأول، ولم يكن يهمه ربح السيد المعركة أم خسرها، بل كان يهمه ألا يبقى «متفرجاً» كما فعل العديد من نظرائه السياسيين اللبنانيين، هذا إن أحسنا الظن فيهم!

واليوم وبعد زيارته التاريخية والمظفرة إلى إيران يقوم بزيارته التاريخية والمظفرة الأخرى أيضا، ولكن هذه المرة إلى سورية وهو مرفوع الرأس بالفعل، كما صرح وقال، لأنه يذهب إليها سائراً على درب المسيح، وليس كما عوّد بعض الساسة اللبنانيين أتباعهم منذ عهود أن يذهبوا إليها زاحفين سائلين عن كيس وحذائين!

يذهب إليها مؤكداً انتماءه العروبي والنضالي والجهادي على طريق ذات الشوكة ندّاً مسدداً بعقل مفتوح، وقلب مطمئن، ونفس عالية متعالية، كل همها نقل مسرح الكفاح من ميدان الاحتماء بالأجنبي في ساحة صراع القبائل والمذاهب والطوائف، إلى ميدان الانتماء إلى الأمة في ساحات الدفاع عن الشرف والعرض والكرامة والسيادة والحرية والاستقلال.

يذهب بموقفه الصارم والحازم والقاطع هذا مدافعاً عن لبنان الهوية الموحدة والحضارة الراقية والثقافة التعددية، تاركاً المذبذبين في حيص بيص، أي «رداء» يرتدون، أثوب الحياة الذي لا يقدرون، أم عري الموت الذي يخافون؟!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني