أعدت قراءة مقالي السابق «عن أي انتصار تتحدثون» من جديد، وراجعت تعليقات القراء عليه في صحيفتنا، وفي صحيفة الآن الإلكترونية التي نشرت المقال، وقد اشتملت بعض التعليقات على عدد من الاتهامات الشخصية التي فاجأتني، بل أذهلتني، فقد كان يفوح من معظمها رائحة عنصرية وتعصب مذهبي، وابتعد معظمها عن النقد الموضوعي والطرح العقلاني لمحتوى المقال، واتجه جزء منها الى الهجوم الشخصي وكيل الاتهامات العجيبة الغريبة لكاتب المقال، العبد لله، من عمالة وخيانة وحقد وحسد، من دون أدنى سابق معرفة!

Ad

أرجو أن تعذروني!

فقد ألقيت القبض على نفسي وهي تتساءل: ماذا لو كنت شيعياً وكتبت المقال نفسه؟! هل ستكون هناك سعة في الأمر، واعتبار ما ورد في المقال، خلافا في الرأي ليس إلا؟! أم كنت سأتهم بالعمالة والصهينة والخيانة والحقد على «حزب الله» الشيعي وأنصاره بهذه الطريقة، وهذا الشكل المقيت أيضاً؟! بصراحة، أجوبتي عن السؤال لم تكن مريحة على الإطلاق، فقد تراوحت بين لا... وربما... واحتمال وارد، لست متأكدا من أنني سمعت صوتا يقول «نعم»، وقد حاولت أن أرهف السمع أكثر، لكن «نعم» خذلتني مرة تلو أخرى، ولم تظهر، رغم إلحاحي المستمر عليها! «نعم» مطلوب سماعها هنا للاطمئنان ليس إلا، لكن الاطمئنان أبى أن يأتي مع بالغ الأسف! منذ مدة، وأنا أتابع مستغرباً، تعليقات «بعض» القراء على مقالات الأخوة الزملاء في صحيفتنا وفي صحف أخرى، وقد حملت نفساً طائفيا غير مستحب بالمرة، حيث يدع القارئ المقال بعد أن يقرأ بضعة أسطر منه جعلته يشتاط غضباً من كاتبه، ليصعد مرة أخرى إلى أعلاه (المقال) ويتعرف على اسم الكاتب، فإن رأى أنه من طائفة غير طائفته (وهو يستطيع ذلك من مجرد قراءته للاسم، فمعظم الأسماء لها دلالات خاصة) فالويل كل الويل لهذا المغرور الوقح، إذ كيف يجرؤ القذر على انتقاد قادة وزعماء طائفة غير طائفته ومذهب غير مذهبه، عليم الله، أنه صهيوني خائن يقبض ملايين الدولارات من الأعداء، وقد أعماه الحقد والحسد لطائفتنا ومذهبنا، فكتب ما كتب، وقال ما قال، نكاد نرى قلبه وقد تميز من الغيظ لإنجازاتنا وانتصاراتنا، ألا لعنة الله عليه، وعلى القوم الكافرين! ليت الأمر يقتصر على مقالات كتاب الصحف فحسب، بل في منتديات الإنترنت، والنقاشات الدائرة في غرف «البالتوك» تجد الشخوص نفسها والنبرات الحادة ذاتها، والتشكيك عينه في النوايا، وكَيلْ الاتهامات الظالمة، والإبداع في سوء الظن، يستوي الجميع بذلك، الشيعي والسني، لا أبرئ أحداً منهم، فالكل قد ارتدى رداء الطائفية والمذهبية فجأة، وأصبح انتصاره لطائفته ومذهبه واجبه المقدس في كل ميدان من ميادين الإنترنت، وقد استل «كيبورده» من غمده، ليطعن به كل كاتب يأتي على ذكر طائفته من دون أن يمدحها ويعدد محاسنها، فأي نقد بسيط لتلك الطائفة يعني أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن الكاتب عميل مدسوس من قبل الأعداء، ليفرق بينهم ويشتت جمعهم!

هناك أيها الاخوة، هذه الأيام، جفوة متبادلة إلى حد كبير، بين «بعض» أهلنا السنة و«بعض» أهلنا الشيعة من أبناء الوطن الواحد، واضحة وضوح الشمس، لا ينكرها إلا غافل، وقد كشفت حادثة التأبين الأخيرة عن وجهها القبيح، وما زالت تبث سموم الفرقة بيننا، وصار أمراً عادياً أن تسمع أحاديث وتقرأ كتابات لا تسر من بعض السُنّة عن بعض الشيعة، ومن بعض الشيعة عن بعض السنة، وكأنما هناك حروب تشتعل في صدور هؤلاء وصدور أولئك، وقودها الكلمات والاتهامات، وهدفها التجريح وصب اللعنات على الآخر! جاء في أحد الرسائل التي وصلتني: ما مشكلتكم مع المذهب الشيعي؟!

أبداً والله، لا شيء، المذهب الشيعي مذهب إسلامي له اجتهاده الخاص، كبقية المذاهب السنّية، الشافعية والمالكية والحنبلية والحنفية، وأهله ملتزمون بأركان الإسلام الخمس، يشهدون أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيمون الصلاة، ويصومون رمضان، ويزكون، ويحجون إلى البيت الحرام، والخلاف بينهم وبين أهل السنة فقهي اجتهادي، لا أقل ولا أكثر، وحين ينتقد كاتب سني مثلي «موقفاً سياسياً» لجماعة شيعية، فإنه لا ينتقد من قريب أو بعيد «المذهب الشيعي» ولا يقصد أهله بسوء، فالنقد هنا «للسياسات» لا «للمذهبيات»، وحين انتقد زعيماً شيعياً في قراراته وتوجهاته «السياسية»، فلا يعني ذلك أنني أناصبه ومذهبه العداء، بل يعني ذلك أنني أرى الحقيقة من زاوية أخرى، وقد أكون على حق فيما أرى، وقد أكون على خطأ، لكن، ليس من حق أحد أن يمنعني من أن أقول رأيي بصراحة، وهو أولاً وأخيرا، غير ملزم لأحد باتباعه!

أيها الإخوة من السنة والشيعة، ديننا الإسلامي يجمعنا ويقوينا ويوحدنا، و«التعصب المذهبي» يضعفنا ويفرقنا ويشتتنا، فلنتمسك بديننا وسماحته ورحابته ولننبذ تعصبنا المذهبي الأعمى والمقيت، ولنحافظ على وحدتنا الوطنية، فشعبنا واحد ومصيرنا واحد، وأهدافنا وغاياتنا ومصالحنا واحدة، مهما اختلفت مذاهبنا وتعددت آراؤنا، ولنصفي النية ونحسن الظن بالآخر، ولنتقبل الرأي المخالف، ونتحاور بعيداً عن المزايدات الوطنية والقومية و«الجهادية»، وبعيداً عن اتهامات التخوين والعمالة والصهينة، فهي لن تخرس الألسنة، ولن تكمم الأفواه، ولن تمنع أحداً من قول رأيه بصراحة... أبداً!