انطلقت حملة جون ماكين لتواجه أوباما في الانتخابات، وأخذت منحى حملات بوش في 2000 و 2004، فهاجمت أوباما فيما أسمته الصحافة الأميركية «هجوما مختلقا» فقال إن أوباما يدعم تدريس التربية الجنسية للأطفال في الروضة، بالإضافة إلى إعلانات أخرى تربط أوباما بمجرمين في شيكاغو، وفقد ماكين بذلك مصداقيته في نظر الناس مما دعا أوباما إلى اطلاق حملة هجومية مضادة مستغلاً حديث ماكين المستمر عن جهله بالأمور الاقتصادية وعلاقات العاملين بحملته مع جماعات الضغط (لوبي) من الشركات التي أضرت بالاقتصاد الأميركي، وعندما أتت الأزمة الاقتصادية الأميركية، صعدت أسهم أوباما وانخفضت أسهم ماكين.

Ad

ورغم أن الحملات الهجومية هي الأكثر وقعاً على الناخبين، فإن غياب الاستراتيجية الواضحة لدى حملة ماكين في استخدام التكتيكات الهجومية أضاع فرص استغلالها بالشكل الأمثل، فبعد أن هاجمت أوباما بتسميته كشخص مشهور لا أكثر (Celebrity)، وعرض صورته بجانب صور لباريس هيلتون وبريتني سبيرز، حاولت الحملة أن تطرح حملات إيجابية بالحديث عن سياسات ماكين.

وهاهي حملة ماكين تعود الآن إلى الهجوم بعد أن اكتشفت أن نهجها لا يجدي نفعاً، حيث من المقرر أن تبدأ هذا الأسبوع الحملة النهائية لماكين ضد أوباما عبر حملة هجومية شرسة تذكرنا بحملات كارل روف ضد ماكين نفسه، تستخدم خلالها السلاح الأقوى في الحملات الانتخابية الجمهورية، وهو سلاح الخوف. إذ ستطلق حملة تربط أوباما ببعض العناصر الراديكالية والإرهابية تحت شعار «اعرفوا من هم أصدقاء أوباما» و«أوباما لا يرى أميركا كما نراها»، إلا أن هذه الحملة- للأسف للجمهوريين- تأتي في وقت متأخر بالنسبة لماكين ولا تطرح إلا قضايا قديمة سبق أن أثيرت في قالب جمهوري جديد، وهو ما يعزز فكرة غياب «الخطة الهجومية» في إطار استراتيجية واضحة إذ لا تعدو سوى تكتيك يائس من الحملة يتوقع ألا يؤثر كثيراً في السباق الرئاسي الذي يتصدره أوباما الآن باكتساح، نظراً لنجاح استراتيجيته في خلق «مسج» سياسي واضح بطرح نفسه كعنصر للتغيير والأمل فيما أسبغ على ماكين صورة الماضي «البعيد عن هموم الطبقة المتوسطة... والمؤيد لسياسة بوش»، وهي صورة لا تلقى رواجاً في أميركا.

من الواضح في الأيام الأخيرة من الحملة، وقد تبقى على الانتخابات (4 نوفمبر) أقل من شهر، أن حملة ماكين تعاني تصدعا، إذ أعلن ماكين أنه سينسحب من ولاية ميتشغان التي رآها عدد من المراقبين كولاية مفصلية في هذه الانتخابات، وقد ووجه هذا الانسحاب بانتقادات عنيفة من أعضاء بارزين في الحزب الجمهوري- بمن فيهم مرشحة نائب الرئيس سارة بالين- الذين رأوا بذلك اعترافاً بالهزيمة، بل إن بعضهم كالمحلل الجمهوري البارز تشارلز كراوثامر ذهب إلى أبعد من ذلك ليعترف بهزيمة ماكين في الانتخابات ككل. ويأتي ذلك بسبب نجاح حملة أوباما في الدخول إلى ولايات كانت تقليدياً محسومة للجمهوريين كولاية كولورادو ونيفادا وفرجينيا ونورث كارولاينا ونبراسكا وإنديانا (وهي ولايات أصبح أوباما يتصدرها اليوم)، فانشغلت حملة ماكين بالتوجه إلى هذه الولايات للحفاظ على مركزها تاركة بذلك الولايات المعرضة للتغيير كأوهايو وفلوريدا وبنسيلفانيا وآيوا وميتشغان إلى الدرجة التي جعلت ماكين ينسحب من الأخيرة في محاولة لتركيز جهوده على بضع ولايات، ومن الواضح أنه إن لم يفز بولاية بنسيلفانيا (التي يتصدرها أوباما منذ بداية الانتخابات) فسيكون أشبه بالمستحيل فوزه بالانتخابات العامة.

إن الانتخابات الأميركية لا تقوم على استطلاعات الرأي للناخبين جميعهم في الولايات كافة التي نسمع عنها دوما، وتنشرها «الجريدة» يومياً على صفحتها الأولى، بل تقوم على أصوات المجمع الانتخابي، وهي أن يكون لكل ولاية أصوات معينة ومن يفوز بالولاية يحظى بهذه الأصوات، وهناك 538 صوتا في المجمع الانتخابي والفائز هو من يحصل على أكثر من 270 صوتاً. وحتى كتابة هذه السطور فإن التوقعات تشير إلى حصول أوباما على ما بين 339 إلى 353 صوتاً... وهو اكتساح بالمفهوم الأميركي. إلا أن توقعاتي- وهي متحفظة- أن يكون الرقم لمصلحة أوباما ما بين 276 إلى 305 أصوات، وهذا ليس رأيي فقط، بل إن مدير حملة بوش الانتخابية الذي أشرنا إليه سابقاً كارل روف، وهو من أفضل من يقود ويحلل الحملات الانتخابية، قد توقعه في تقريره هذا الأسبوع- وللمرة الأولى- فوز أوباما بواقع 273 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي حتى إن فاز ماكين بالولايات كافة التي تعد ضمن نطاق المنافسة كأوهايو وإنديانا وفيرجينيا وفلوريدا ونورث كارولاينا ونيفادا وميزوري.

ومالم نر ما يسميه الأميركيون بـ«مفاجأة أكتوبر» خلال الأيام المقبلة- ومن المرجح ألا نرى شيئاً جديداً- فسيظل من الصعب (جداً) تغيير النتائج عن شكلها الحالي. وهنا أستذكر مرة أخرى مقال الأستاذ محمد الرميحي الذي أشرنا إليه في المقال السابق الذي قال فيه عن مراهنته بفوز ماكين «أن يغامر كاتب بتوقّع وصول شخص ما إلى سدة الرئاسة الأميركية هو عمل أقرب إليه التهور من العقل. إلا أن الحسابات السياسية تبدو اليوم قريبة من ذلك»، لأكرر بدوري مراهنتي مرة أخرى على ذاك الفتى النحيف من أب كيني وأم من كانساس ليفوز في سباق الرئاسة.