إسلاميو الكويت والمرأة في البرلمان: تصادم أو تفاهم

نشر في 25-05-2009
آخر تحديث 25-05-2009 | 00:00
 د. عبدالحميد الأنصاري أجمعت كل القراءات والتحليلات السياسية لنتائج الانتخابات التشريعية لمجلس الأمة الكويتي 2009 على إبراز مؤشرين رئيسين تصدرا عنوانين بارزين بديا متناقضين في مختلف الصحف والوسائل الإعلامية العربية والدولية هما: (فوز المرأة) في مقابل (خسارة الإسلاميين) في صورة توحي بأن فوز المرأة إنما تم على حساب الإسلاميين، وكأن نجاح المرأة الكويتية في اختراق الحواجز والوصول إلى المقاعد الخضراء في قبة عبدالله السالم، لم يكن ممكناً لولا هزيمة الإسلاميين وانكسار شوكتهم.

بمعنى آخر أنه لم يكن للمرأة أن تنجح إلا بانحسار دور الإسلاميين، فلا تعايش بينهما، وهذه معادلة صفرية غير صحية، ما كنا نتمنى أن نصل إليها في مجتمعاتنا، وما أراها تنسجم مع ثوابت الدين ولا مع مقاصد الشريعة العليا، فالمسؤولية المجتمعية مسؤولية مشتركة بين الجنسين في كل الميادين: تعليماً وتنميةً وإنتاجاً وإصلاحاً، والقرآن يخاطب الجنسين معاً ويحملهما مسؤولية تنمية المجتمع والمشاركة في بنائه وتقرير مستقبله «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» ولا معروف أعرف من العدل، ولا منكر أنكر من الظلم كما يقررهما إمام المصلحين محمد عبده.

ولكن لماذا وصلت الأمور إلى هذه المعادلة السيئة بين الإسلاميين والمرأة؟ إنها أفهام ضيقة استحوذت على بعض المرشحين والخطباء الذين يتعاطون الشأن السياسي من منطلق ديني على غير بصيرة، وظفوا سلاح الفتوى ضد ترشيح المرأة، وأثموا المجتمع بتصويته لها، وبلغ الضيق وسوء المجازفة أن شهروا سلاح التكفير ضد د.أسيل العوضي- مرشحة الدائرة الثالثة– وكل ذلك بهدف عدم وصول امرأة للمجلس، لكن المجتمع الكويتي أثبت أنه أصح فهماً لدينه وأكثر وعياً في اختيار ممثليه.

وقف الناخبون- رجالاً ونساءً– مع المرشحة الكويتية، وتحدوا المرجفين والمشككين بكفاءة المرأة وأسقطوا الأوهام والظنون والطروحات المتوعدة والمهددة، وتضامنوا مع المرأة وصوتوا لها، فحصدت(4) مقاعد ثمينة من (50) مقعداً، ما نسبته 8% بينما خسر الإسلاميون (10) مقاعد، وليس هذا فحسب بل نالت المرأة الكويتية مراكز متقدمة، وفازت فوزاً تاريخياً مؤزراً في حرب شرسة استخدمت فيها كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة ضدها (حصلت د.معصومة على المركز الأول في الدائرة الأولى بـ14247 صوتاً، ود. أسيل على المركز الثاني في الدائرة الثالثة بـ11860 صوتاً، ود. رولا على المركز السابع بـ7666 صوتاً ود. سلوى على المركز العاشر بـ4776 صوتاً) وكانت نسبة الفوز بين المرشحات أعلى من نسبته بين المرشحين، إذ فازت (4) من (16)مرشحة، بنسبة 25% في مقابل (46) من (211) مرشحاً، بنسبة 22%.

لقد تحدى المجتمع الكويتي الأفهام الضيقة والموروثات المتحيزة وتجاوز ذاتة في لحظة تاريخية حاسمة، كما أثبتت المرأة الكويتية جدارتها، وكانت أبرز المتحديات د. أسيل، إذ قالت- وهي في المعمعة والشائعات تحاصرها من كل جهة– متحدية خصومها الإسلاميين: (ما يهزنا الريح) وأضافت (اللوية تقوينا وما تهدنا) وأكدت (راح أوصل للمجلس غصب عن اللي ما يرضى) لله درك يا أسيل خطيبة ومتحدية!! لقد راهن الإسلاميون على إسقاط المرأة فخذلهم المجتمع الكويتي، واستخدموا كل أسلحتهم ضدها فارتدت عليهم، وقبل الانتخابات صرح أحد أقطابهم بأنه إذا فاز وكلف بمهمة خارجية في وفد فيه امرأة فإنه سيرفض السفر، وليته يصدق اليوم مع نفسه ومع ناخبيه فيرفض المشاركة في برلمان يضم نساء، لأن الصحبة في السفر، أمر عارض أما المشاركة مع النساء في برلمان فمعايشة مستمرة.

القوم اليوم في شغل شاغل وهم منزعجون من فوز المرأة، يكلمون بعضهم بعضاً ولا يدرون ماذا يفعلون، لقد اكفهر وجه بعضهم عندما سمع بفوزهن فقال (مجلس فيه حريم ما ينبغي! ما أدري شلون نقعد معهن باللجان وهن مو محجبات!!) لقد أسقط في يد القوم وأصبحوا في حرج عظيم، ووجدوا في (الضوابط الشرعية) مخرجاً ومتكأً.

مشكلة الإسلاميين ليست في الضوابط ولا في الجلوس مع النائبات غير المحجبات، بل في استحقاقات الفتوى، فمن يتمسك بأن عضوية المرأة للبرلمان، ولاية محرمة، وهي معصية أو (جريمة شرعية) يلزمه عدم المشاركة في المعصية وعليه الانسحاب من البرلمان، إذ لا يقبل من (سلفي) ترديده (نحن على موقفنا الشرعي بحرمة عضوية النساء في المجلس) في الوقت الذي يجلس معهن تحت قبة البرلمان، فهو قول بلا رصيد، لأنك مادمت قبلت المشاركة في مجلس يضم النساء في عضويته، فهذا إقرار بالمشروعية- ضمناً- ولا يغني عنك الفتوى شيئا، إذ كيف تنادي بتحريم شيء ثم تشارك فيه، فالمشاركة في الإثم إثم، وهي ازدواجية مكشوفة لعلها من أكبر أسباب تراجع الإسلاميين في الساحة. ولو تأملنا مسلسل الرفض ثم التراجع لهالنا حجمه، رفضوا الانتخابات والبرلمان باعتبارهما نظماً غربية مستوردة ثم تراجعوا وخاضوا الانتخابات وشاركوا في البرلمانات بحجه عدم تركها للعلمانيين، ثم وقفوا ضد حقوق المرأة السياسية وأطلقوا الفتاوى المحرمة، حتى أقرها البرلمان 2005 بمجهود خرافي من قبل سمو أمير الكويت عندما كان رئيساً للحكومة، فتراجعوا وأقبلوا على صوت المرأة وتنافسوا عليه، قبلوها ناخبة لا منتخبة ظناً أنه لا أمل للمرأة في البرلمان بناءً على تجربتي 2006 و2008، لكن المرأة الكويتية وعت دروس الإخفاق وتعلمت سريعاً وظهرت في الانتخابات الأخيرة نداً منافساً بخطاب جديد وطرح مختلف، فاستشعروا نذر الخطر واستدعوا فتاوى قديمة تجاوزها المجتمع الكويتي والاجتهاد الفقهي الجديد، لكنها لم تجد صدى وانتصر الكويتيون للمرأة.

إن فوز المرأة الكويتية اليوم وموقف الإسلاميين منها، مناسبة تستدعي طرح تساؤلات: لماذا يحاول الإسلاميون إظهار الإسلام مناهضاً لعمل المرأة السياسي؟! لماذا الإصرار بعناد مدهش على التشكيك في كفاءة المرأة السياسية؟! وما المصلحة الدينية أو المجتمعية من إقصاء المرأة عن الحياة العامة؟! وفي أي نص قرآني أو نبوي أن العمل السياسي حكر على الرجال دون النساء؟ لو أنصفوا لوجدوا ديننا مع المرأة الناشطة المصلحة، لو راجعوا أنفسهم لأدركوا أن النهي المقصود في الحديث النبوي (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) هو (الولاية العظمى) وهو نظام تاريخي كان الحاكم يجمع فيه كل السلطات، وقد انتهى، ولا علاقة للحديث بالبرلمان ولا عضويته، لأنه نظام مبتدع، فضلاً أن عضو البرلمان المنتخب من الشعب لا يمارس (ولاية عامة) عليهم بل هو وكيل عنهم في ممارسة دورين: (الرقابة) و(التشريع) وهما مشروعان للجنسين. كما أن مفهوم الولاية العامة بالمعنى الفقهي التقليدي، غير متصور في ظل نظام يمارس فيه الشعب سلطاتة، بقيت نصيحة مخلصة للإسلاميين في البرلمان من إسلامي يريد إصلاحاً، المرأة الكويتية اليوم أصبحت حقيقة قائمة في البرلمان، والتفاهم معها بلغة الحوار العقلاني الناضج وكسبها خير من التصادم معها بسلاح الفتاوى المحرمة، ولن يجد الإسلاميون خيراً من المرأة الناشطة سياسياً، عوناً إذا نشدوا إصلاحاً، وأرادوا محاربة الفساد والتغيير للأفضل، ووجودها في البرلمان يرقى بلغة الخطاب، ويخفف من حدة التأزيم المفتعل ويصد سيئات الحل غير الدستوري مستقبلاً، لكن على الإسلاميين مراجعة مواقفهم السياسية من المرأة وتطوير نظرتهم إليها والتحرر من قيود الفتاوى المناهضة لها كما تحرروا من الفتاوى المناهضة للديمقراطية ولتصويت المرأة سابقاً، فهي في النهاية لا تخرج عن كونها اجتهادات بشرية غير ملزمة.

* كاتب قطري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top