نتذكر جيدا مشروع المصفاة الرابعة وما رافقه من نقاشات حامية وندوات وتصريحات صحفية دارت جميعها حول مدى صحة الإجراءات القانونية التي اتخذت في عملية ترسية المشروع والتي حسمهما أخيراً تقرير ديوان المحاسبة الذي بيَّن بعض التجاوزات المالية والملاحظات السلبية التي شابت إجراءات الترسية. من ثم وإثر صدور تقرير ديوان المحاسبة اختفى، وبشكل مثير للاستغراب، مشروع المصفاة الرابعة الذي كان يقال عنه إنه «مشروع حيوي وتنموي واستراتيجي لدولة الكويت»، وإن مؤسسة البترول والمجلس الأعلى للبترول قد اتخذا التدابير القانونية اللازمة لإقراره.
وقبل مشروع المصفاة كان هنالك مشروع نفطي آخر هو «مشروع حقول الشمال» أثير بشأنه أيضا الكثير من التساؤلات والملاحظات القيِّمة، وكان محل شد وجذب بين السلطتين وجرى تناوله في وسائل الإعلام كافة وفي المنتديات العامة، ثم فجأة اختفى ذكر هذا المشروع الذي شغلنا معه وحوله لفترة زمنية طويلة... وكان يقال عنه وقتئذ إنه «مشروع حيوي وتنموي واستراتيجي» أيضا.الآن نجد أنفسنا من جديد أمام مشروع نفطي آخر هو «داو كيميكال» بدأت تثار بشأنه أيضا مجموعة ملاحظات وعلامات استفهام قيِّمة تتطلب إجابات رسمية وافية عليها قبل أن يختفي هذا المشروع قريبا كما هو حال سابقاته.ماهي الحكاية بالضبط؟مشاريع نفطية ضخمة يُبَشَّر بها ويتم الدفاع المستميت عنها في البداية ثم فجأة تُسحب، أو لنقل تختفي، وكأن شيئا لم يكن. بالطبع فإن البعض، كما هي عادته، سيحمِّل مجلس الأمة والصحافة المسؤولية التامة عن توقف هذه المشاريع النفطية الضخمة، ولكن هذا الكلام «مأخوذ خيره» فمن حق المجلس ومن حق المواطنين أيضا أن يكونوا على اطلاع تام على كيفية التصرف في الأموال العامة، خصوصا أن هذه مشاريع ضخمة تقدر قيمة كل منها بمليارات الدنانير. ولكن ما يثير التساؤل والتعجب معا هو ترى إذا كانت الإجراءات التي اتبعتها الجهات النفطية في إرساء المناقصات المتعلقة بهذه المشاريع النفطية الضخمة سليمة، فما هو المانع، إذن، من إعلانها بشفافية والدفاع عنها والاستمرار من ثم في تنفيذ هذه المشاريع؟! ألم يورد ديوان المحاسبة، وهو جهة فنية نزيهة ومحايدة، ملاحظات جوهرية حول مشروع المصفاة الرابعة، فلماذا لم نسمع ردود مؤسسة البترول أو المجلس الأعلى للبترول على هذه الملاحظات؟ ولماذا تم إيقاف تنفيذ المشروع وهو «حيوي وتنموي واستراتيجي»؟!ثم هل من المعقول، كما ذكرت صحف محلية، أن أعضاء المجلس الأعلى للبترول، الذي يرسم ويشرف على تنفيذ السياسة النفطية، لا يعرفون أنه قد أعيد تشكيله في أغسطس الماضي؟! وهي المعلومة التي من المفترض أن تكون متوافرة عند سكرتارية المجلس. إن غياب الشفافية في القرارات الحكومية والطريقة الغريبة العجيبة التي تتعامل فيها الحكومة مع المشاريع النفطية يجعلان الناس تميل إلى تصديق كل ما يقال حول وجود شبهات فساد مالي وإداري في المشاريع النفطية الضخمة جميعها.وغني عن القول إنه ليس من مصلحة الكويت ولا القيادات النفطية الوطنية النزيهة أن يتم التعامل بهذا الشكل مع المشاريع النفطية، لأن هذا سيؤثر حتما في مصداقية الكويت أمام المنظمات الدولية وسيزيد من مخاوف وشكوك الناس ويهز ثقتهم بالمؤسسات والقيادات النفطية وقد يترتب عليه أيضا مساس في ذمة الشرفاء، وهم كثر، في القطاع النفطي. والمثير للاستغراب حقا هو أن هنالك كماً هائلاً من المعلومات الدقيقة التي تتوافر للمؤسسات النفطية وهنالك الكثير من المستشارين المحيطين بمتخذي القرار، فكيف تغيب عن قيادييها بعض المسلمات الإدارية والمالية والقانونية المهمة التي يتم تداولها في وسائل الإعلام كمآخذ جدية كلما طرح مشروع نفطي جديد؟!
مقالات
داو كيميكال ... وغياب الشفافية في مشاريع مليارية
17-12-2008