... بل سأنتخب المرأة
فجأة... وبعد أربع سنوات من إقرار حق المرأة السياسي، وثلاثة انتخابات شاركت فيها المرأة، اكتشف السلف أن مَن يصوِّت للمرأة يدخل في دائرة الإثم، في فتوى خالصة لوجه الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تحمل أي اعتبارات سياسية، وتوقيت هذا الاكتشاف قبل أسبوعين من الانتخابات، التي يبدو أنها ستشهد نجاح مرشحة أو أكثر، ليس سوى محض المصادفة... "يا الله من فضلك".الفتوى بتوقيتها واللغة والألفاظ التي جاءت بها أقل ما يمكن أن يقال عنها هو أنها صورة جديدة من صور الإرهاب الفكري وتزوير إرادة الناخبين، فعندما يخيَّر الناخب بين انتخاب الرجل أو ارتكاب الإثم فذلك أسلوب ترهيب لا يختلف عن تهديد قوى الإرهاب في العراق مثلاً بتفجير الناس المصطفة في طوابير مراكز الاقتراع. فالخوف واحد، سواء من نار التفجيرات أو جهنم الإثم، وعندما يقف الخوف حائلاً بين قلب الناخب وورقة الاقتراع، فإن خياره المدوَّن على الورقة يفقد الحرية والموضوعية التي جُعِل الاقتراع سرياً من أجل تحقيقهما، وهذا تزوير باطن لإرادة الناخب لا يقل خطورة على الديمقراطية عن التزوير التقليدي بتبديل الأوراق والصناديق.
ولنعد إلى الوراء أربع سنوات عندما كان تعديل قانون الانتخاب بإزالة شرط الذكورة يتم تداوله في مجلس الأمة، ألم يستبسل نواب السلف وقتها لإضافة بند التزام المرأة المرشحة بما أسموه "ضوابط الشريعة الإسلامية"؟ ألم يكن ذلك اعترافاً ضمنياً بحق المرأة في الترشح وإن كان بشرط الالتزام بالضوابط بنظرهم؟ كيف أصبح الآن ترشيح المرأة مؤثَّما سواء بالضوابط ومن دونها، خصوصاً عندما اقتربت المرأة من النجاح؟ ألا يبين ذلك أن ليس للدين والشريعة أي علاقة بما يفعله السلف في تعاملهم مع الأمر؟ أليس واضحاً أن الأمر بالنسبة إليهم هو سياسة في سياسة؟بدلاً من استغلال الدين لتحقيق الأهداف الانتخابية، كان من الأفضل على السلف أن يقدموا لنا تصوراتهم تجاه المشاكل التي يعانيها المواطنون، فالبلد يعاني الشلل، فالمدارس تخرِّج لنا طلبة مبرمجين على الحفظ ومحملين بكل المفاهيم التي تناقض الوطنية والمواطنة، والمستشفيات تسكنها الصراصير والفئران أكثر من المرضى، والشباب يزاحمون أهاليهم في انتظار حصولهم على السكن، وأصبحنا كمواطنين أقلية ضائعة بين جيش العمالة الوافدة، فكم مشكلة من هذه المشاكل حللتم بفتواكم هذه؟ أخيراً... إلى السلف، والإخوان المستحين من قول كلمة واحدة في الموضوع... سأنتخب المرأة، وإن لم تكن هناك 4 نساء مقنعات لأضع أسماءهن على ورقة الاقتراع، فسأنتخب من الرجال مَن يحترم المرأة، وأنتم بالتأكيد لستم منهم. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء