في المهرجان القومي للسينما المصرية الأخير، كنت أشاهد بصحبة الناقد والمؤرخ السينمائي الكبير أحمد الحضري، فيلم «ألوان السما السابعة» للمخرج سعد هنداوي، وحين خرجنا من دار العرض لم يكن لدينا حديث سوى عن فيلم «في بيتنا رجل» للمخرج هنري بركات.

Ad

الرابط بينهما أن كليهما تدور أحداثه في شهر رمضان الفضيل، ومع ذلك فقد اتفقنا على أننا لم نشعر برمضان (بتفاصيله وطقوسه بل وروحه) قدر ما شعرنا به في فيلم «في بيتنا رجل» وربما على مدار السينما المصرية كلها.

كان الجهد «فنياً» في فيلم هنداوي واضحاً، والاجتهاد فكرياً لا بأس به، خصوصا بالنسبة الى حال السينما المصرية اليوم، لكن ما لفت نظرنا، واستولى على حوارنا هو روح رمضان والتي رصدها فيلم هنداوي، تحديدًا الناحية الروحانية والصوفية، ومحاولة فكاك الإنسان من قيود الجسد وسقطاته، إلى رحاب الروح وتحليقها وانعتاقها، وتخلّصها من كل ما يشدها الى الأسفل، أي الى الواقع وهوانه، على رغم ذلك فإننا لم نعش في ذلك الفيلم رمضان بصورة حقيقية حية مشبعة، الأمر الذي تحقق يوماً بوضوح في فيلم هنري بركات، والذي استطاع أن يجعلنا نتنفس رمضان ونتنسمه، ونعيشه بصورة نابضة مقنعة، على رغم أن رمضان لم يكن الموضوع الأساسي لدراما «في بيتنا رجل» والذي كان يدور حول فدائي مصري يكافح ضمن تيار عريض ضد الاحتلال الإنكليزي قبيل ثورة 1952، ويحتمي بأسرة موظف مصري بسيط، عاشت أجواء شهر رمضان، والذي كان «خلفية» فحسب لأحداث «وجو» تدور فيه، ومع ذلك، كان تصويراً قوياً ومؤثراً لا ينسى، للحظات رمضان، لأنه كان صادقاً ومرهفاً.

ما استوقفنا في المناقشة، في تلك الأمسية، وكان محل دهشتنا هو أن فيلم «في بيتنا رجل» لمخرج مصري قبطي، واتفقنا على أنه لا يوجد مثال أكثر من ذلك على معايشة المصريين مسلمين وأقباطًا لحياة مشتركة، بتفاصيلها كلها وروحها بما في ذلك رمضان، وتذكرنا المقولة الشهيرة لمكرم عبيد باشا القبطي، أحد أهم الساسة المصريين في النصف الأول من القرن العشرين: «إننا مسيحيون ديناً ومسلمون حضارة».

الحق أننا كما نلحظ، بالتقدير والإعجاب، في مثال «في بيتنا رجل» أن مخرجه مسيحي، كذلك فقد تكرر الأمر نفسه تماماً في أمثلة أخرى عدة، مثلاً المخرج يوسف شاهين في فيلم «الناصر صلاح الدين» عن البطل والقائد المسلم ومعركته الكبرى لاسترداد القدس في مواجهة الصليبيين الذين ادعوا كذباً أنهم قادمون باسم المسيح والصليب، والمخرج كمال عطية في فيلم «قنديل أم هاشم» الذي يدور في أجواء دينية إسلامية برحاب حي ومسجد السيدة زينب في القاهرة، وهي «الطاهرة» حفيدة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.

برز مخرجون (سينمائيون عموما) أقباط وبرعوا في السينما المصرية، شاركوا في إرساء دعائمها وفي بلوغها النضج والتطور مرحلة بعد مرحلة، إلى جانب المخرجين (السينمائيون عموما) ـ المسلمين.

ربما لم يحب المصريون ممثلاً كوميدياً مثلما أحبوا القبطي نجيب الريحاني، ولا ممثلة كوميدية مثلما أحبوا القبطية ماري منيب... وذلك مثال ومجرد الإشارة بالطبع.

أما المخرجون، سواء من جيل الخمسينات والستينات الماضية أو المراحل السابقة (ثمة يهود مهمون ومبدعون مثل المخرج المقتدر توجو مزراحي)، وصولاً إلى جيل خيري بشارة وداود عبد السيد، فضلاً عن سمير سيف، وحتى جيل يسري نصر الله فأسامة فوزي... وعلى يد الأخير مخرجاً، ومعه هاني فوزي كاتباً، شاهدنا فيلما لافتاً لهذين القبطيين هو «بحب السيما»، لم نشاهد مثله على مدار السينما المصرية، من خلال تكريسه كله بأحداثه وشخصياته لتصوير حياة أفراد وأسر من أقباط مصر، إنه فيلم بالغ الجرأة لهذا السبب، ويحسب له أنه حقق هذا الأمر الذي تأخّر، وللمفاهيم التي عبر عنها، وجلبت عليه ضجة وهجمة واعتراضًا حادًّا كانت في مجملها لأوساط مسيحية.

قبل ذلك الفيلم، كنا نرى الأقباط كبعض شخصيات تشارك في أحداث الدراما السينمائية، بنسبة أو أخرى، كانت ولا تزال الشخصيات التي لا يشار في الفيلم بوضوح إلى كونها مسيحية، حيث يفترض عادة أنها مسلمة وهو أمر مفهوم بمسبباته، لكن شخصية القبطي في دراما السينما المصرية موضوع آخر، ووقفتنا السريعة اليوم كانت أمام السينمائيين وخصوصا المخرجين الأقباط في هذه السينما، ومع ذلك فهي سطور قليلة لم توف الموضوع حقه، ولا هؤلاء ما يستحقون.