في العام 1968، صرّح بعرض الفيلم العالمي «انفجار» وأرفق مع التصريح استقالته من الرقابة، إنه مصطفى درويش أشهر رقيب عرفته السينما المصرية، وأحد ألمع نقادها، لولاه لما شاهدنا فيلم «المومياء» الذي أجازه رقابياً على الرغم من معارضة رئيس الهيئة آنذاك.عن رحلته مع الرقابة وكيف حطم «التابوهات» التي حاصرت السينما طويلاً، كان هذا الحوار:يقولون إنك رقيب ضد الرقابة، كيف؟
ربما لأنني تصديت القواعد الرقابية الجامدة، كلها التي كانت تعد من التابوهات والمحرمات، وحرصت على تجاوز تلك الثوابت لمزيد من الحرية للسينمائيين، وبدأت أصرّح بعرض الأفلام والأغاني والمسلسلات الجريئة، لذا أطلق علي البعض هذا المسمى «رقيب ضد الرقابة»، وفسر البعض الآخر ذلك بأنني قادم من القضاء وأتمتع بحصانة، لذا فإن قراراتي شجاعة وجريئة في نظر السينمائيين.
باختصار حدث اختلاف كيفي في الرقابة في تلك المرحلة، خصوصاً بعدما صرحت بعرض كل الأفلام الممنوعة من روائع الفن السابع، والتي كان يخشى الرقباء السابقون عرضها.
لماذا اتهمك البعض بأنك ضد السينما المصرية والقومية العربية؟
لأنه طالب بمنع عرض الفيلم الأميركي في مصر، وكنت ضد المنع أو المصادرة، فاتهمت بأنني ضد السينما المصرية، أما اتهامي بأنني ضد القومية العربية فبسبب موافقتي على عرض فيلم «المومياء» باعتباره فيلماً فرعونياً.
للأسف، كل الحريات التي أطلقتها أعيد سجنها مجدداً، حتى أثناء رئاستي للرقابة كنت أدعو المخرجين على الدوام، للتعبير عما يجيش في عقولهم بكل حرية، لكنهم كانوا «جبناء».
تردد أنك منعت فيلم «مدرسة الجنس» لصلاح أبو سيف ولينين الرملي، بينما أجازه مدكور ثابت باسم آخر «النعامة والطاووس»؟
لم يحدث هذا إطلاقًا، وما يتردد هو محض افتراء ومن باب التشهير، بدليل أنه في التوقيت نفسه كان هناك فيلم «المتمردون» لتوفيق صالح عن قصة صلاح حافظ ينتقد الحقبة الناصرية، اعترض عليه وزير الداخلية آنذاك شعراوي جمعة، لكنني وافقت على عرضه كاملا وفُصلت مباشرة بعد عرضه في عهد وزير الثقافة ثروت عكاشة.
كيف ترى سلطة الرقابة في التعامل مع التابوهات الثلاثة: الجنس والدين والسياسة؟
الرقابة موجودة بشكل أو بآخر وفي كل أنحاء العالم، لكن في مصر هي «متزمتة»، ما أدى إلى استمرار تلك التابوهات، بالإضافة الى أن المنتجين والسينمائيين لا يتمردون على تلك القواعد المتحجرة، وأؤكد أنني عندما منحت الحرية للسينمائيين لينطلقوا ويبدعوا من دون خوف من الرقابة اتهموني بإفسادهم.
بات لدينا اليوم أجهزة رقابية عدة، مثل «رقابة الأزهر» و{الكنيسة»، فما رأيك؟
يجب إبعادهما تماما عن الرقابة وعن التدخل في الإبداع، وأن يفعلا مثلما تفعل الكنيسة الكاثوليكية في الخارج، فهي تصنّف الأفلام وتنصح رعاياها بمشاهدة العمل أو العكس، كذلك يمكن أن ينصح الأزهر رعاياه بعدم مشاهدة الأفلام التي يعترض عليها ليجنّبهم خطيئة مشاهدة فيلم يحتوي على قبلة.
لماذا تتهم الرقابة اليوم بأنها تعاني من الذعر والازدواجية في المعايير؟
لأنها بالفعل مذعورة ومرتبكة، لعل أوضح مثال على ذلك هو إقرارها لفيلمي «هي فوضى؟» و»حين ميسرة»، وهما على قدر عال من الجرأة في تعرية المجتمع المصري، وأحالت، في الوقت نفسه، فيلم «نمس بوند» إلى وزارة الداخلية لمجرد تناوله شخصية ضابط!
كيف ترى لافتة «للكبار فقط» التي تصر الرقابة على تضمينها بعض الأفلام؟ هل يدل ذلك على تزمُّت المجتمع؟
لا أعتقد ذلك، نجد في أميركا معظم الأفلام تحمل لافتة «للكبار فقط» لإرشاد الأطفال والكبار إلى فحوى الفيلم سواء رعب او جنس، المهم هو عدم المنع، لكن هنا نجد أن فيلم مثل «كباريه»، يتضمن كل الموبقات التي تحدث في مثل هذه الأماكن ويحمل رسالة في تقديري في منتهى الخطورة، مصرّح به للصغار، وتُعرض أفلام أقل تأثيرا فكريا منه تحت لافتة «للكبار فقط»، إنه حقا أمر مثير للدهشة.
هل تعتقد أن الرقابة الشعبية تؤثر سلبا في الرقابة الفعلية؟
لا أتصور أن هناك رقابة شعبية في مصر، لأن المجتمع المدني ضعيف الى حد بعيد، لكن المشكلة التي تؤرق الرقابة دائما هي الضجيج الذي يثيره بعض «الغوغائيين» وأصحاب الصوت العالي والقضايا المفتعلة.
هل أنت مع إلغاء الرقابة على الإبداع؟
ستزول الرقابة من تلقاء نفسها مثل سور الصين العظيم، في ظل التقدم التكنولوجي والإنترنت والفضائيات، المشكلة أنه في العالم الثالث تموت الأمور ببطء، لكنني أؤكد أن الرقابة الآن تُحتضر ولن يكون لها محل في المستقبل القريب.
كيف ترى المشهد السينمائي الآن؟
حدثت نكسة حقيقية في السنوات الماضية تجسدت في ما يسمى بالسينما النظيفة التي أطلت علينا وألقت بظلالها على الفن والإبداع، ومن ثم بدأ الحكم على الفن بالمعيار الأخلاقي بعيدا عن المعيار الفني، وغابت القبلة عن الشاشة، مع أن أم كلثوم غنت لها، وهكذا تراجع المجتمع والسينما.
كيف ترى مقولة الأديب يوسف إدريس «الحرية المتاحة في العالم العربي كله لا تكفي كاتباً واحدا»؟
(يضحك) إنها مقولة أديب كبير رفيع المستوى يدرك تماما طبيعة المرحلة التي يعيشها عصرنا.