بجماجم أطفال فلسطين!
عندما يتجدد إطلاق الصواريخ العبثية والفاشلة والبائسة من غزة على سديروت وبعض القرى الإسرائيلية الجنوبية الأخرى، بينما كان «المجاهد الكبير» خالد مشعل يجثم خاشعاً بين يدي مرشد الثورة السيد علي خامنئي ليهدي إليه «الانتصار الإلهي»! الذي كان أهداه الى الرئيس السوري بشار الأسد وربما الى أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ولكن بصورة سرية، فإن المقصود هو إشعار المضيف الإيراني ان الحرب لاتزال مستمرة، وأن الهدنة التي يتم التفاوض بشأنها في القاهرة هي مجرد استراحة محارب... وأيُّ محارب؟! خلال توقفه في الدوحة وهو في طريقه الى تقديم كشف حساباته الى «الولي الفقيه» في طهران، ولمشاركة الإخوان الإيرانيين احتفالات الذكرى الثلاثين لانتصار ثورتهم الخمينية على الشاه السابق، أطلق خالد مشعل تصريحاً عرمرمياً قال فيه إن حرب غزة لم تصل إلا الى منتصفها، وهو بمجرد مثوله بين يدي مرشد هذه الثورة سمع من السيد علي خامنئي أن القتال يجب ان يبقى مستمراً، وأن هذه الحرب يجب ان تبقى متواصلة، وأنه لا يجوز الاكتفاء بالانتصار الإلهي الذي تحقق!
وهذا معناه ان حالة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة يجب ان تبقى مستمرة، وأنه على أهل غزة ان يتهيأوا لجولة قتال جديدة ومن طرف واحد، وأن عليهم ان يستعدوا لإحصاء أعداد شهدائهم وجرحاهم في مساء كل يوم مقبل، على غرار ما كان الوضع عليه في الحرب السابقة التي يعتبرها خالد مشعل مجرد معركة، ويعتبر ان الحرب الحقيقية التي أمر «الولي الفقيه» بضرورة مواصلتها هي الحرب القادمة. قال الكاتب الفرنسي اليهودي مارك هالتير بعد لقاءٍ مع خالد مشعل في دمشق عشية هذه الحرب المدمرة، التي كان القتال فيها من طرف واحد فقط، إنه أثار مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موضوع الفائدة المرجوة من إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل، وان جوابه كان: «ان الإسرائيليين لا يفهمون إلا لغة القوة وانهم إذا ردَّوا علينا عسكرياً فإن باستطاعتهم ان يربحوا الحرب الميدانية، لكننا سنربح معركة الرأي العام الدولي، إذ إن العالم عندما يرى أطفالنا يموتون عندها ستكون الدولة الإسرائيلية هي الخاسرة». هكذا إذاً فالانتصار الإلهي الذي تحدث عنه خالد مشعل وتحدثت عنه «حماس» ويتحدث عنه السيد علي خامنئي هو جماجم الأطفال الفلسطينيين التي هرستها جنازير الدبابات الإسرائيلية، وهو أجساد أبناء غزة التي مزقتها صواريخ إسرائيل وقنابل طائراتها، وان الصمود الذي زغرد له المتفرجون عن بعد هو الدمار الذي لحق بهذه المنطقة من فلسطين التي تشبه علبة السردين... إن المراهنة ليست على «المجاهدين» الذين فروا كالعصافير المذعورة عندما وقعت الواقعة والذين اختاروا أعمق الأنفاق للاختباء فيها الى ان تمر العاصفة، وإنما على الضمير العالمي وعلى الرأي العام الدولي. إن هذه هي الحقيقة وهي حقيقة مرة على أي حال، ويبدو ان خالد مشعل لتكريس هذا الانتصار الإلهي لايزال بحاجة الى المزيد من رؤية العالم للأطفال الفلسطينيين وهم يموتون، وتهرس جماجمهم الدبابات الإسرائيلية، فحسب خبرته العسكرية التي اكتسبها خلال تنقله بين عواصم «فسطاط الممانعة» فإن ربح الحرب الميدانية لا قيمة له، وان المعركة الأهم هي معركة الرأي العام الدولي ومعركة المزيد من الأجساد الفلسطينية الممزقة!