نحن الكويتيين...بأيدينا نخنق أنفسنا
مشروع «داو»، والمصفاة الرابعة، ومشاريع كثيرة سابقة، وأخرى كثيرة قادمة، كلها كانت وستكون ضحية لحالة الشك والتخوين وحالة الابتزاز السياسي الذي ضربت أطنابها وامتدت جذورها في واقعنا السياسي. لست هنا أوجه اتهاما لأحد بعينه، ولست في وارد ذلك بقدر سعيي إلى تشخيص حالتنا العامة علَّنا نستطيع الخروج.لنعترف بأن واقعنا السياسي مختطف ومخنوق، وأكبر دليل على ذلك أن بلادنا تنحدر اقتصاديا وتنمويا، وتحتاج إلى خطط إنقاذ سريعة وعاجلة وبالرغم من ذلك فإن لا أحد يجرؤ على القيام بشيء، حيث كل مشروع تنموي لائق بحساسية المرحلة وصعوبتها لابد أن يكون ضخما، وأي مشروع ضخم لابد أن يكون مكلفا بالمليارات، وما إن تدخل المليارات إلى الملعب حتى يشتعل قصف اتهامات التنفيع والفساد والسرقات، لننتهي إلى التهديد باستجواب رئيس الوزراء، فيتوقف كل شيء وتعود البلاد تتخبط في حالة الاختناق والشلل التي ترتع فيها منذ سنوات!
مشروع «داو» على سبيل المثال، ومع احترامي للأصدقاء الواقفين ضده من باب الخوف على المال العام، فكلهم لا يملك المعلومات الكافية عن المشروع، وأولئك الذين أشعلوا الدنيا ضده وأوصلوها إلى حد التهديد باستجواب رئيس الوزراء اعتمدوا على معلومات ووثائق تم تسريبها لهم من داخل مؤسسة البترول، وعلى تسجيلات في «اليوتيوب» للقاءات مع رئيس شركة «داو كيميكال»، أندرو ليفرز، قاموا بترجمتها وتفسيرها تماشيا مع مزاجهم، وساهمت الصحافة بدحرجة كرة الثلج المليئة بأنصاف المعلومات والحقائق غير الكاملة والإشاعات والتفسيرات غير السليمة، لتصبح الكرة جبلا من الرفض والممانعة ضد المشروع، حيث تقاطر الجميع للوقوف في صف المعارضين، بمن فيهم من لا يعرفون شيئا عن المسألة، حيث أصبحت القضية برمتها معركة مكتسبات سياسية فحسب، وصار الجميع يريد تأمين شعبيته وحظوظه الانتخابية خوفا من شبح حل البرلمان الذي يحلق فوق الرؤوس، والواقف مع الحكومة هذه الأيام محترق لا محالة! أتحدى أي أحد من المعارضين أن يقول إن لديه فهما وإدراكا كاملا لكل أبعاد وتاريخ المشروع، وأنا حين أقول هذا فلست أقف مع المشروع، لأنني، وبكل بساطة، لا أملك المعلومة كاملة، لكنني لو كنت سأعتمد على ما تيسر لي من معلومات ولو كنت تابعا لمزاجي، كما فعل المعارضون، لوجدتني أقول إنه مشروع حيوي سيعطي للكويت فرصة ذهبية للهروب من الاعتماد المطلق على مصدر وحيد للدخل والذي هو إنتاج النفط والغاز فقط والدخول إلى عالم الصناعات الهيدروكربونية، التي هي صناعة المستقبل دون منازع، ليس على مستوى المنطقة فحسب وإنما على مستوى العالم، حتى لو كانت التكلفة باهظة.ما ساهم في هذا الوضع المتأزم هو ضعف الجانب الحكومي، وسوء إدارته للملف. صمت مطبق في البداية وتجاهل لما كان يتصاعد في وسائل الإعلام، من باب الاعتقاد بأنه سيخمد في النهاية كالعادة، وحين تزايدت النيران الإعلامية والنيابية بدأت التصريحات والتسريبات المتخبطة تتوالى ليزداد الجمر اشتعالا، وحين صارت النار بركانا متفجرا وصار أغلب الناس يقف في خانة معارضة المشروع في ظل غياب المعلومة الكاملة، بمن فيهم المقربون لصف الحكومة، قرر وزير النفط أن يخرج في التلفزيون ليتحدث (أعني لقاء تلفزيون «الراي» المقرر مساء أمس، والذي لا أظنه سيفيد كثيرا).الصوت الوطني العقلاني ضاع في ظل هذا الضجيج والصخب الكبير الذي التبس فيه الحق بالباطل، وجميعنا اليوم ركاب طائرة يختطفها التخوين والشك والغوغاء والصوت العالي، ولا أحد منا، إلا من رحم الله، يجرؤ على الكلام في هذه الرحلة حتى لا يُتهم بأنه «حكومي» أو من الموالين لقوى الفساد، لكن المؤلم حقا أن كثيرا من نظيفي الكف يظنون أنهم يحسنون صنعا، في حين أنهم بأيديهم يساهمون في خنق الكويت!