لعل السبب الرئيسي في حالة الضبابية بين مفهومي المعارضة والموالاة في الكويت يعود إلى الخطأ الجسيم في طريقة وفلسفة اختيار الوزارة، ويتحملها كل من الحكومة من جهة، والتيارات والشخصيات المشاركة فيها من جهة أخرى.
في النظم السياسية تنقسم البرلمانات في العادة إلى كتلتين كبيرتين هما الموالاة والمعارضة إضافة إلى كتلة من المستقلين الأصغر حجماً تبعاً لموقف كل منها من الحكومة، والحكومات في الأغلبية العظمى من الدول الديمقراطية، إذا لم يتم انتخابها مباشرة من الشعب عبر صناديق الاقتراع كما هي الحال في الأنظمة الرئاسية، فإنها تتشكل وفق المشاورات النيابية حيث يُعطى رئيس الوزراء المكلف مهلة محددة لتشكيل الوزارة، وإذا أخفق في الحصول على الأغلبية البرلمانية، فإنه يتقدم بالاعتذار إلى رئيس الدولة لإعفائه من المهمة، حيث يتم ترشيح رئيس جديد للوزراء... لذلك تتمتع الحكومات دائماً بالدعم النيابي الذي يوفر لها الاستقرار المطلوب حتى نهاية المدة الدستورية لها، ولا تسقط الحكومة إلا في حالة انسحاب كتل معينة منها تفقدها الأغلبية البرلمانية.وفي المقابل تتشكل كتلة المعارضة وتمارس دورها بوضوح وعلنية في اتجاهين الأول انتقاد سياسات الحكومة داخل البرلمان بما في ذلك اللجوء إلى مساءلتها سياسياً، والثاني طرح برامجها البديلة للمشاريع والخطط الحكومية ومخاطبة الرأي العام من خلالها لحشد التأييد الشعبي في الانتخابات العامة التالية.وقد تكون أكثر الحكومات عرضة للاهتزاز السياسي ومن ثم السقوط في ظل الوزارات الائتلافية وذات الأحزاب الكثيرة الصغيرة وانسحاباتها من الحكومة لخلافات جوهرية مع رئيس الحكومة.أما النموذج الكويتي فيعتبر حالة نادرة ووحيدة في العالم، حيث يحدد النظام الدستوري إجراءات منفصلة لتشكيل السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما لا يتم تطبيق النصوص الدستورية في تشكيل الحكومة على هدى من نتائج الانتخابات العامة وتبلور الكتل البرلمانية، ولهذا لا توجد خطوط واضحة بين مفهومي المعارضة السياسية أو المولاة للحكومة، خصوصاً بعد دخول بعض تيارات المعارضة ورموزها في التشكيل الحكومي منذ مجلس 1992، الأمر الذي يضع الأغلبية البرلمانية المؤيدة للحكومة على محك حقيقي مع كل اختبار سياسي بين السلطتين، ولذلك فإن الحسابات الحكومية لا تخلو من المفاجآت والمتناقضات لأنها تحكم من خلال الموضوعات الآنية ولكل حالة على حدة، ولذلك فإن أقرب النواب المقربين للحكومة قد يميلون مع الجانب الحكومي في بعض المواقف وقد يصطفون ضدها وبشراسة في مواقف أخرى، وعلى النقيض، فقد تجد الحكومة أن أشد المعارضين لها قد يصوتون لمصلحتها في مواقف يخذلها فيها نوابها من الموالاة، كما حدث في قضايا الحقوق السياسية للمرأة وصندوق المعسرين وإزالة الدواوين.بل في الجانب الرقابي أيضاً، قد تجد بعض النواب الحكوميين حتى النخاع يحجبون الثقة عن بعض الوزراء، بل قد يذهبون شخصياً إلى استجوابهم، بينما المعارضة هي التي تنقذ الحكومة في مثل هذه المواقف الصعبة والمحرجة.ولا تختلف الحال في تصنيف الصحافة التي تعتبر الجناح الآخر للديمقراطية، وعلى الرغم من تزايد عدد الصحف، والنقلة النوعية في كسر الاحتكار العائلي المحدود وتمثيل معظم الصحف للتيارات السياسية وامتدادها البرلماني، فإن خطوط المعارضة والمولاة عندها لاتزال متداخلة بشكل كبير، فبعض الصحف وفي الوقت الذي تستميت فيه في الدفاع عن الحكومة تتصيد على بعض وزرائها بل تمارس ضدهم التحريض، ودعوة النواب إلى استجوابهم وإزاحتهم عن مناصبهم.ولعل السبب الرئيسي في حالة الضبابية بين مفهومي المعارضة والموالاة يعود إلى الخطأ الجسيم في طريقة وفلسفة اختيار الوزارة، ويتحملها كل من الطرف الذي يقود عملية التشكيل الحكومي من جهة، والتيارات والشخصيات المشاركة في الحكومة من جهة أخرى، وهذا ما سوف نسلط عليه الضوء في المقال القادم.
مقالات
المعارضة والموالاة (1)
02-12-2008