القاعدة الفرنسية في الإمارات ليست مجرد 400 جندي يضافون إلى فعاليات تعاون عسكري مميز يربط أبوظبي بباريس، لكنها التزام من قبل الصديق الفرنسي بالوقوف إلى جانب الصديق الإماراتي إذ حل وقت الضيق.

Ad

حين سُئل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن مغزى تدشين بلاده لقاعدتها العسكرية العتيدة في الإمارات، عشية زيارته الأسبوع الماضي إلى أبوظبي، حرص على إبراز نقطتين مهمتين؛ أولاهما أن «إنشاء تلك القاعدة تم بناء على طلب إماراتي»، وثانيتهما أن بلاده «تتعهد من خلالها بالوقوف إلى جانب الإماراتيين لتحقيق أمنهم، لأن الصديق وقت الضيق».

ذهب معلقون ومحللون عديدون إلى أن فرنسا بإنشائها قاعدة «معسكر السلام البحري» في الخليج «كسبت موطئ قدم عسكرياً بالقرب من مضيق هرمز»، وأنها «عادت إلى منافسة الوجود الاستراتيجي الأميركي والبريطاني في أعالي البحار»، بل ذهب البعض إلى الحديث عن «بعث جديد للنفوذ العالمي الفرنسي». والواقع أن تلك القاعدة تكتسب أهمية استراتيجية كبيرة بالفعل؛ لكونها أول قاعدة فرنسية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وأول قاعدة تنشئها فرنسا منذ استقلال مستعمراتها في أفريقيا، ولأنها لا تبعد كثيراً عن مضيق هرمز الاستراتيجي الحيوي، ولا يفصلها عن الحدود الإيرانية سوى نحو 170 كيلو متراً.

لكن تلك الأهمية لا تسوغ الحديث عن هذا الحدث على النحو الذي اعتبره «بعثاً فرنسياً جديداً» و«مكسباً استراتيجياً نوعياً» لباريس، لأن التحليل المنطقي يبين بوضوح أن الفائدة الكبرى منه تعود على دولة الإمارات، وأن إنشاء تلك القاعدة يمثل مكسباً استراتيجياً كبيراً للدولة الإماراتية، سينعكس إيجاباً على خططها للدفاع الوطني ومواجهة التحديات المحدقة بها، بشكل يفوق التكاليف التي بذلت من أجل استضافتها.

في 18 أبريل الماضي، نقلت صحيفة «التايمز» البريطانية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن «الجيش الإسرائيلي يستعد لشن ضربات جوية واسعة النطاق ضد أهداف إيرانية إذا أصدرت حكومة الدولة العبرية أوامر بذلك». وفي نهاية الشهر نفسه، كان ليون بانيتا مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي أي إيه) يجري محادثات سرية في تل أبيب مع المسؤولين الإسرائيليين، مبعوثاً من الرئيس باراك أوباما، وساعياً إلى الحصول على تطمينات بأن الدولة العبرية لن تقدم على مهاجمة إيران من دون إخبار بلاده. وقد نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية تقريراً عن تلك الزيارة في منتصف شهر مايو الجاري، ذكرت فيه أن أوباما حمل مبعوثه برسالة إلى نتنياهو عنوانها: «لا تفاجئني بهجوم على إيران».

لكن أحداً لا يمكنه أن يضمن أن رئيس الوزراء الليكودي، الذي بنى جزءاً أساسياً من حملته الانتخابية على التعهد بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي تحت أي ظرف، سيركن إلى الهدوء وانتظار ما ستسفر عنه محاولات أوباما لتليين موقف طهران.

أعطى نتنياهو إشارات عديدة تدفع إلى الاعتقاد بأنه أقرب إلى شن ضربات ضد إيران من التعويل على الجهود الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة لإنهاء أزمة الملف النووي الإيراني على نحو سلمي. فإلى جانب حملته الانتخابية التي استهدفت إيران بشكل أساسي، واستدعت كل الأدبيات الإيرانية التي هاجمت الدولة العبرية و«هددت وجودها وأمنها»، بات واضحاً أن عملاً لوجستياً تم إنجازه على صعيد تهيئة مسرح العمليات العسكرية للقيام بضربة إسرائيلية منفردة ضد أهداف إيرانية منتقاة، حددتها بعض التقارير بنحو 12 هدفاً رصدتها الاستخبارات الإسرائيلية وعناصر الاستطلاع.

والأخطر من ذلك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سعى سعياً حثيثاً إلى إعطاء الانطباع بأن دولاً عربية عديدة مهمة ورئيسة تتفق مع الدولة العبرية في تشخيصها للخطر الإيراني وتعتبر طهران «خطراً مشتركاً» يستحق العمل ضده والتنسيق لتفادي تداعياته وآثاره السيئة على أمن المنطقة واستقرارها.

تدرك دولة الإمارات كل هذه التطورات، وتفهم أن احتمالات شن هجمات إسرائيلية على إيران تتصاعد، وتعرف أن طهران سبق أن هددت بضرب مصالح في منطقة الخليج في حال تعرضت لهجمات، وتتوقع أن تكون أحد أهداف الهجمات الانتقامية الإيرانية في حال وقع المحظور.

والواقع أن الإمارات تمثل هدفاً شديد السهولة يمكن لإيران إصابته في مجالات عديدة معظمها شديد الإيلام على الدولة الفتية التي بنت جزءاً كبيراً من نموها وازدهارها على الأمن الذي تتمتع به وتتيحه للمقيمين والمتعاملين على أراضيها وعبرها.

تطالب الإمارات إيران بحل سلمي لمشكلة جزرها «طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى» التي تسيطر عليها طهران، وتحشد الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي لمطالبة تلك الأخيرة بإيجاد حل لائق لهذا الإشكال، بشكل يخلق الكثير من التوترات في العلاقات بين البلدين.

وعلى جانب آخر يشكل الإيرانيون نحو 10% من سكان الإمارات، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 11 مليار دولار سنوياً، ويقدر مسؤولون إيرانيون عدد الشركات الإيرانية العاملة في دبي فقط بنحو 10 آلاف شركة، إضافة إلى بضعة آلاف شركة أخرى تعمل في بقية إمارات الدولة الست، كما يقدر بعض هؤلاء المسؤولين الحجم التراكمي للموجودات الإيرانية في الإمارات بنحو 300 مليار دولار، وهو رقم، في حال كان صحيحاً، يفوق إجمالي الناتج المحلي للبلاد والبالغ 270 مليار دولار مقوماً بسعر الصرف الرسمي.

تستطيع إيران ببساطة شديدة إلحاق الضرر البالغ بالدولة الإماراتية، ليس فقط عبر الخلل الكبير بين القدرة الدفاعية في كل من البلدين ومن خلال الاستهداف العسكري المباشر، ولكن أيضاً عبر استخدام وسائل الضغط الإيرانية المتمثلة في العدد الكبير من السكان الإيرانيين والناشطين الاقتصاديين والشركات المؤثرة والمبادلات التجارية الضخمة وغيرها من أذرع التأثير. تمتلك الإمارات جيشاً عصرياً منظماً تنظيماً جيداً ومسلحاً بمنظومات منوعة وفائقة الجودة، لكن عدد أفراد هذا الجيش لا يتعدى 50 ألف فرد، كما أن تحالفاتها العسكرية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من خلال اتفاقيتين عسكريتين وقعتا منتصف التسعينيات من القرن الفائت قد تكون سبباً لاستفزاز طهران في حال تلقت ضربة من إسرائيل.

لذلك فإن الإمارات لا تنظر إلى القاعدة العسكرية الفرنسية على أنها ذراع عسكرية فاعلة يمكن من خلالها صد هجوم إيراني أو شن هجمات انتقامية في حال تلقت ضربات من طهران في أجواء حرب إقليمية محتملة، لكنها تنظر إلى هذه القاعدة على أنها رسالة سياسية إلى طهران مفادها أن فرنسا التي عارضت الغزو الأميركي-البريطاني للعراق، والتي تقف موقفاً أكثر اعتدالاً من القضايا العربية مقارنة بحلفائها الأنجلوساكسونيين تعتبر أن أي مساس بأمن دولة الإمارات بمنزلة هجوم يستهدف أمنها.

ترتبط الإمارات باتفاق تعاون دفاعي متقدم مع فرنسا منذ العام 1995، ويضم جيشها أكثر من 400 دبابة «لوكليرك» ونحو خمسة أسراب من طائرات «الميراج 2000» تعد نحو مئة طائرة، كما يقبع بها نحو 56 فرداً من القيادة المركزية الأميركية، ويقول المسؤولون البريطانيون عن اتفاق التعاون الدفاعي الذي يربط بلادهم بها إنه بمنزلة «إتفاقية دفاع مشترك»، لكنها مع ذلك احتاجت إلى طلب إنشاء القاعدة الفرنسية في أراضيها.

القاعدة الفرنسية في الإمارات ليست مجرد 400 جندي يضافون إلى فعاليات تعاون عسكري مميز يربط أبوظبي بباريس، لكنها التزام من قبل الصديق الفرنسي بالوقوف إلى جانب الصديق الإماراتي إذ حل وقت الضيق... الذي يمكن أن يكون قريباً.

* كاتب مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء