الإلحاد موضوع حي ومهم، وهو قادر على تأجيج عشرات الأسئلة الموضوعية، لكنه سيكون مزعجا ومؤلما حقا أن يخرج من بيننا من سيرغب بالتصدي للملحدين بأسلوب القمع والتنكيل، لأن ذلك لن يقود إلى أي نتيجة إيجابية، بل سيزيد من تعقيد الموضوع.

Ad

منذ فترة، كتبت الزميلة إيمان البداح مقالا عن «لماذا يلحد الشباب؟»، وأشرت بدوري إلى ذلك بشكل سريع في أحد مقالاتي، وقلت إن ما كتبته الزميلة يستحق التفكر والنظر، ولكن يبدو أن ذلك لم يعجب أحد القراء حينها فكتب مغاضبا ليتهمني بالتواطؤ معها!

يسرني التواطؤ مع الزميلة خصوصا أنها قد أصابت في ما ذهبت إليه، فالإلحاد موجود ويتزايد في مجتمعنا وبين أوساط شبابنا. والشواهد على ذلك كثيرة، سواء من خلال الكتابات على الشبكة في المنتديات والمدونات، أو من خلال الكتابات الصحافية، والتي إن كانت لاتزال شحيحة إلى حد كبير، بسبب الخوف من المحاسبة ربما، إلا أنها موجودة، أو حتى من خلال من يعبرون عن أفكارهم الإلحادية شفاهة بشكل مباشر أو غير مباشر.

لا أسعى اليوم، ومن خلال مقالتي هذه إلى أن أضع الملحدين على منصة الاتهام بأي شكل من الأشكال، أو الدفع نحو محاسبتهم من خلال القضاء أو غيره، أو حتى مجرد الدخول في دائرة القول بكفرهم وإنهم سيكونون حطبا لجهنم مثلا، فكل هذا لا يعنيني، بل لا أراه السبيل الأصوب للتعامل مع الأمر، كما أنه لابد من التنوية إلى فكرة أني حين أصمهم بالإلحاد استنادا إلى كتاباتهم وأفكارهم، فأنا هنا لا أشتمهم أو أوجه لهم السباب، وإنما حسبي أن سميت الأشياء بأسمائها العلمية المتعارف عليها، فإنكار وجود الذات والقدرة الإلهية يسمى إلحادا.

ما يهمني من إثارة الموضوع هو إشعال جذوة التفكير في هذه الظاهرة المتزايدة، حتى إن اختلفنا مع بعضنا بعضاً في تقدير حجمها. قد أقول إنها منتشرة، وقد يقول غيري إنها ليست كذلك، لكنني لا أظن أننا سنختلف على حقيقة وجودها، حتى في مجتمع صغير مثل المجتمع الكويتي.

السؤال هو: كيف يتزايد الإلحاد في أوساط مجتمع لا يفتأ يكرر وصف نفسه بالمجتمع الذي يميل إلى التدين؟ ذلك المجتمع الذي تنشط فيه الجماعات واللجان الدينية بشكل واضح، بل صاخب في كثير من الأحيان، وتكثر فيه الأنشطة الدعوية الدينية عما سواها!

هل هناك خلل في هذه المسيرة مثلا، وعوضا عن أن يتزايد التدين، إذا ببذور الإلحاد تنبت من بين ظهرانينا؟ هل رسم أصحاب المسيرة الدينية صورة وردية عن واقع قاتم، أم أنهم لا يدركون ألوان المشهد فعلا؟!

الموضوع حي ومهم، بل أكثر أهمية من موضوع عبدة الشيطان الذي أخذ زخما أكبر من حجمه الحقيقي، ولذلك فهو قادر على تأجيج عشرات الأسئلة الموضوعية، لكنه سيكون مزعجا ومؤلما حقا أن يخرج من بيننا من سيرغب بالتصدي للملحدين بأسلوب القمع والتنكيل، لأن ذلك لن يقود إلى أي نتيجة إيجابية، بل سيزيد من تعقيد الموضوع.

من الضروري أن يدرس موضوع الإلحاد ويتفكر فيه بشكل صحيح وموضوعي ليمكن الوصول إلى نتائج ذات معنى للأسباب الكامنة وراء انتشار هذه الظاهرة، في مقابل ما كنا نظنه انتشارا للصحوة الدينية، وفي تصوري أن مقالات الزميلة البداح والتي أثارت جدلا، وسخطا من بعضهم، كانت خطوة على هذا الطريق، وكان من المفترض أن ينظر إليها بتقدير أكبر، خصوصا من الإسلاميين.