لأسباب صحية... قوية !
أول ما خطر في بالي عندما قرأت خبر استقالة الوكيل المساعد لشؤون العمل د. صالح الشيخ هي مقولة الممثل القدير سعد الفرج الشهيرة في مسرحية حامي الديار «ودي أصدق بس قوية قوية»! لا أريد أن أظلم الرجل وسأضع احتمالا لأن يكون هذا هو السبب الحقيقي، لكن الظروف التي صاحبت الاستقالة تصب في مصلحة أسباب أخرى. فالاستقالة جاءت بعد أن طلب الوكيل إجازة لمدة شهرين وحولت إلى استقالة. وبالطبع لا ننسى أنها جاءت بعد تظاهرات المظلومين من العمالة البنغالية وغيرها، «جزاهم الله خيرا»، والتي فجرت موضوع تجارة الإقامات التي تعد فضيحة من الدرجة الأولى، وتسريب أخبار التحقيقات التي بيّنت أن هناك متواطئين من داخل الوزارة ساهموا في تمرير هذه الجرائم كلها بحق البشر والوطن في آن واحد.
لست ألمح بأن الشيخ كان أحد المتواطئين، لكنه ربما يكون أحد المسؤولين الرئيسيين عن هذه الفضيحة لأنه يرأس القطاع الذي حدثت فيه هذه التجاوزات الصارخة كلها. ولذلك يجب أن يحاسب هذا المسؤول، خصوصا أنه كان يطل علينا بالصحف بين مدة وأخرى ليعلن دراسة عن إيجاد بديل لقانون الكفيل، ثم تبين أن كلامه كان كله «تلش»، وما كانت تصريحاته سوى إبر مخدرة. فكيف لنا أن نمنع فضائح أخرى من الحدوث في وزارات الدولة كلها مادامت سياسية الدولة هي «الطمطمة» على الفضائح الحالية والتغطية على المسؤولين عنها عبر أسلوب «بس يا حبيبي لا تسويها مرة ثانية»؟!غير المستغرب في القضية أنه إلى الآن لم تعلن الوزارة أسماء الشركات المتاجرة بالبشر ومن يقف خلفها، وهذا يدل على أن المتنفذين وقوى الفساد أقوى من الدولة، وهذه أحد مظاهر الدولة الفاشلة التي يحذر منها أستاذنا أحمد الديين، وهناك مظاهر أخرى بالطبع أحدها حدث قبل أيام عدة. فمسرحية عدم توافر طلبات الاكتتاب في الاتصالات الثالثة بعد كل هذا التأجيل يثير أكثر من علامة استفهام بعد تبادل الاتهامات بين البنوك والمقاصة، والتي وقع ضحيتها المواطن الذي بات يجول البنوك كل يوم بحثا عن الطلبات. وما يثير الريبة أكثر هو توقيت الاكتتاب الذي يصاحب أكبر عملية اكتتاب في تاريخ الكويت، وهو اكتتاب «زين»، إضافة إلى حلول شهر رمضان وموسم المدارس وما يصاحب هاتين المناسبتين من ارتفاع الأسعار في ظل عجز وزارة التجارة. لكن «الشرهه» ليست على «زوير وعوير» أي «البنوك و المقاصة»، بل على حكومة «القرقيعان» التي بخلت في التكفل بـ25 مليون دينار هي قيمة حصة المواطنين في الشركة (أي 25 دينارا فقط عن كل مواطن) مع أنها حصلت على أضعاف هذا المبلغ من مزايدة الشركات على الحصة المخصصة لهم!ثم نأتي لإعلان وزارة الداخلية عن تبديل لوحات السيارات ليفاجأ المواطنون بعدم توافرها. وأرجو أن تكون هذه آخر مرة يتم فيها تبديل اللوحات لأنها «امصخت» بصراحة، فلا أعتقد أنه يوجد بلد في العالم يغير لوحات السيارات ثلاث مرات في أقل من عشرين سنة! وإذا أضفنا إلى هذا وذاك أمثلة أخرى في القضايا البسيطة التي يسهل تنظيمها من قبل أفراد بينما تعجر دولة بجيشها الجرار عن تنظيمها، ثم أضفنا إليها عدم الكشف عن المسؤول عن «إعلان الأهرام» حتى الآن مع سهولة الوصول إلى المصدر، وعدم جدية الحكومة في متابعة مصير مواطن مفقود لأكثر من شهر وغيرها الكثير من القضايا المعقدة، فيبدو أننا فعلا أصبحنا دولة فاشلة رسميا!