عُرف بصوته الجبلي الأصيل ومواقفه الصارمة من الابتذال المسيطر على الساحة الفنية. إنه الفنان اللبناني نقولا الأسطا الذي يطل كل فترة بعمل مميز ومدروس ليثبت أن الفنان الحقيقي لا يموت. لا يرى نفسه مع أي من شركات الإنتاج الراهنة، يلفته المسرح الرحباني ويشدد على ضرورة ابتعاد الفن عن السياسة وعدم الخلط بينهما.عن رأيه بالواقع الفني الراهن ونظرته الى المستقبل، كانت معه الدردشة التالية.تهاجم الابتذال السائد على الساحة الفنية إلى درجة أنك وصفته بالـ{كباريه»، هل تخاف من تلك الموجة الفنية وكيف تعلّق عليها؟
بصراحة، لا أكترث لما يحصل على الساحة الفنية راهنا، وبكلمة أبسط «آخر همّي». لا تؤثر فيّ تلك الموجة لأن جمهوري يختلف عن جمهورها ومن يسمعني لا يسمعها. لا أقصد مهاجمة أي نمط فني، لكن عندما أدافع عن نفسي تجاه ما يحصل من ابتذال في الفن، يعتقد البعض أنني أهاجم نمطًا فنيًّا معينًا.
هناك هجمة من قبل المتعدّين على الغناء، لذلك من واجبي الدفاع عن فني الذي أعتبره الأسلم والأنظف والأفضل لبناء الأجيال الجديدة. أطمح الى أن أكون مثالا لكل شاب لأن الناس يتأثرون بالفنان إجمالا، وبالتالي أسعى الى الـ hit الفني من خلال موهبتي وصوتي وليس من خلال أي أمر آخر، للأسف قد توصل الأعمال الشاذة الى الناس أفكاراً سيئة، من هنا أعتبر أن طريقي هو الأصح والأسلم.
هل ترى أن تلك الموجة تنحسر أو تنتشر يومًا بعد آخر؟
تشهد كل مرحلة مجموعة من الفنانين الملتزمين ومجموعة أخرى تدخل ضمن نطاق الفن المبتذل. بالتالي، سيبقى المتعدّون على الفن والغناء موجودين دائما. ثمة شركات إنتاج تجعل أي فنان متعاقد معها لا يشبه نفسه وتسيّره على مزاجها، فينفذ كل ما تمليه عليه شركته التي تؤمّن له بدورها الانتشار والشهرة والكسب المادي. لكن من خلال اعتماده هذا المسار يكون تعدى على قيم ومبادئ كثيرة تربى عليها ويطمح إلى تربية أولاده عليها.
سمعت مرة مقابلة لأحد الفنانين تلومه فيها المقدِّمة على بعض المشاهد الساخنة في أغنيته المصوّرة، فقال لها إنه لم يتعدَّ الخط الأحمر وتلك هي الموضة، وعندما عادت وسألته ما إذا كان سيربي أولاده على ذلك النمط الفني، أجابها بأن حياته العائلية تختلف عن حياته الفنية. ألا يعرف هذا الفنان أنه يدخل من خلال الشاشة إلى ملايين البيوت وأن الأجيال الجديدة تتأثر به وبالفن الذي يقدّمه؟ أعتبر ذلك الأمر انفصاماً في الشخصية.
أنت أب لابنتين، هل تراقبهما جيّدا أثناء مشاهدتهما الشاشة الصغيرة، خصوصا المحطات الموسيقية؟
أسعى إلى أن تفتخر ابنتاي بي في المستقبل عندما يراجعان مسيرتي الفنية. نعم أراقبهما جيّدا وأحاول أن أكون الى جانبهما أثناء مشاهدتهما المحطات الموسيقية، لأفسر لهما ما يحصل على الشاشة من إيحاءات خطيرة. هناك بعض الكليبات يجب عرضه بعد منتصف الليل كي لا يؤثر سلباً في الأطفال. أقول لأصحاب تلك الكليبات: أتركوا الأولاد يتربون على قيم معينة ولا تورّطوهم بمستقبل فاشل وسيئ. أرفض ما يحصل وأعرف أن طريقي هو الأصعب، لكني مرتاح جدا لأني لم أساهم في التردي الفني الحاصل ولأن ضميري مرتاح. لا أشمل بحديثي الفنانين الجدد كلهم، يقدم البعض منهم فنا مميزاً ويتمتع بالشكل والموهبة ويتلقى الدعم المادي من شركات الإنتاج، إضافة الى التسويق الجيّد وبالتالي يحقق نجومية معينة و{بيستاهل». سلوك الفنان هو الأهم، قد يقدم ثلاثة فنانين أغنية واحدة مثلا لكن بطرق مختلفة وحتى متناقضة.
لديك مشكلة مع الإنتاج والتوزيع على غرار فنانين كثر، كيف تسيّر أعمالك وسط سيطرة شركات الإنتاج الضخمة على الساحة الفنية راهنا؟
صحيح. أبرمج نفسي وأطمح، بالطبع، إلى أمور أكبر، لكن ذلك يتطلب أموالاً طائلة. لا يحقق الفن الصحيح والملتزم موارد مالية ضخمة بل يكفيك لحياتك اليومية وتأمين مستقبلك وأولادك. أسهل شيء تأمين المال من خلال ممارسات معينة أرفضها شكلا ومضمونًا، وأكتفي بعمل نظيف يريح ضميري.
لماذا لست ضمن فناني «روتانا» وهل يقلقك منطق الحصرية؟
ليس من نصيب في العمل بيننا، وهي شركة محترمة وتؤمن انتشارا كبيرا للفنان، لكننا لم نصل الى نقاط مشتركة. أنتج وأسوّق لنفسي وهذا صعب جدا، لأن الحصرية الموجودة في وسائل إعلام عدة تمنعني من الظهور فيها.
لم تلق الدعم أبدا من الأستاذ سيمون أسمر، مع أنك فزت بالميدالية الذهبية في برنامج «استوديو الفن»؟
ليس هذا فحسب، بل أبعد الأضواء عنّي، لكني أحترمه ولا أحمل له أي حقد.
هل شعرت يوما بأنك تريد اعتزال الفن؟
نعم، على المستوى الإنساني، خصوصا عندما أشاهد أحد البرامج الذي لم يستضفني لأنني لست تابعاً لشركة الإنتاج الممولة له. أغرّد خارج السرب في الوسط الفني ولا أرشي أحداً. لكن فنيًّا لدي تحد كبير وأعرف أن الذين يحبون فني هم كثر وأن طريقي هو الأصعب.
ألا تحلم بالوقوف على مسارح مثل قرطاج وجرش التي أصبحت حكرًا على فناني «روتانا»؟
لا أسمح لنفسي بأن أحلم، ومن يعرفني يدرك تماما أن مثل تلك المسارح تليق بصوتي تماما، لكني أتأسف عندما أرى فنانين دون المستوى يقفون على مسارح ضخمة مثل قرطاج، ما يجعلني أتغاضى عن فكرة الوقوف عليها يوماً. أتذكر أن أحد متعهدي الحفلات اشترط علي يوما أنه في حال عملنا سويا، لا يجب أن أبرز قدراتي الصوتية الفعلية كي لا أحرج باقي الفنانين الذين يتعامل معهم. أفضّل العمل لوحدي وعلى راحتي، ومع أن إنتاجاتي الفنية قليلة إلا أنها جيدة ومدروسة تماما.
لماذا حصرت نفسك باللهجة اللبنانية وما زلت بعيدا عن اللهجتين المصرية والخليجية؟
أحبّني الناس باللهجة اللبنانية ونجحت فيها، لأنها تليق بصوتي تماما. ترددت في أداء اللهجة المصرية، إلا أنني سجلت حديثًا أغنية مصرية كلاسيكية من كلمات وألحان الفنان زياد برجي، وتدخل ضمن التنويع في مسيرتي الفنية. أحب أغنيات الدبكة والتحدي وهي بعيدة كلياً عن الأغاني باللهجة المصرية. أما اللهجة الخليجية فأتركها لأربابها وأقدر الفن الخليجي صوتا وإيقاعا. هناك فنانون مهمون جدا في الخليج مثل نبيل شعيل وعبدلله رويشد وحسين الجسمي وغيرهم... من ناحية أخرى بدأت الأغنية اللبنانية دخول البلاد العربية كافة وأصبحت محبوبة ومفهومة من الجميع. المهم أن يقدم الفنان صورة جميلة عن بلده من خلال سلوكه وصوته وأعماله الفنية المدروسة.
كيق تقضي وقتك بعيدًا عن الفن؟
مع زوجتي وأولادي، أتابع البرامج السياسية وأعلِّم أشخاصًا يحبون الغناء أصول الغناء السليم.
هل كانت هيفاء وهبي تلميذتك وكيف تراها راهنا؟
نعم . هيفاء لديها طموح واستطاعت أن تكون الأولى في نمط غنائي معيّن. لست على تواصل معها راهنا وأتذكر أنني أرسلت إليها رسالة بعد إحيائها مهرجانًا معينًا لكني لم ألقَ جوابًا.
هل تؤيد فريقاً سياسيّاً معيناً؟
لست مع أحد، ولكل فريق نقاط سلبية وإيجابية، وهمّي الأول هو لبنان. كوني فنانًا لا يجب أن أكون طرفا بل أريد أن أكون قدوة لكل إنسان يحب لبنان بتجرّد. ذلك لا يمنع أن يكون لدي مبدأ لكن أحتفظ فيه لنفسي. لا أحب أن أدخل عملي في السياسة، وأعتقد أنه عندما تكفّ الأيادي الخارجية عن العبث بلبنان عندها سيكون بأحسن حال.
هل لديك صداقات في الوسط الفني؟
نعم، تجمعني صداقة بالفنان اللبناني غسان صليبا والملحن وسام الأمير وأقدّر الفنانة ماجدة الرومي.
هل من الممكن أن نشاهدك ممثلا على المسرح الرحباني مثل زميلك غسان صليبا؟
أرى نفسي معهم، لكن لا أعرف رأيهم بي. {الرحبانية} تاريخ طويل وكبير والمسرح الرحباني وجد لأصوات مثل غسان صليبا ومثلي. لم يقوموا بعد بأية خطوة تجاهي ولا أعرف ما يحمل إلي المستقبل.
كان صيفك زاخراً بالحفلات والمهرجانات، هل يعطيك ذلك أملا بالمستقبل؟
كان هذا الصيف عظيمًا مقارنة مع السنتين الماضيتين، لكن إذا قارناه مع الماضي، أي التسعينات، أراه ضعيفًا نوعاً ما. أحييت مهرجانات وحفلات في المناطق اللبنانية كافة وفي الدول العربية ودول الاغتراب، والحمدلله كنت موفقًا.
الأهم في لبنان أن تبقى السياسة بعيدة عن يوميات الناس والأمن مستتبا، ليعود هذا الوطن الى سابق عصره ويكون المصدّر للفن العربي الأصيل وبلد الفن والجمال والسياحة.
نشعر أنك متصالح مع نفسك!
جداً. أعرف حجمي ونقاط قوتي وضعفي وأدرك ما أريد تماما وأحلم على قدر المعقول وبالأمور القابلة للتحقيق. أؤمن بالله الذي هو السبب الأهم في استمراريتي، لأنه مدّني بالقوة لأحقق حضوري وسط تلك الزحمة الفنية.
ما هو الدرس الذي تعلّمته في الحياة؟
كل شخص يأخذ نصيبه وليس بالضرورة أن نحفر الأفخاح لبعضنا لنحقق الشهرة أو الانتشار.
ما هي أمنيتك؟
أتمنى أن يكون رمضان شهر الخير على العالم العربي أجمع وأن يحل السلام وتطغى المحبة على الكراهية.
ما هو رأيك بـ :نجوى كرم: أتمنى رجوعها إلى عرش الأغنية اللبنانية.
اليسا: اختياراتها موفّقة وإحساسها جميل.
وائل كفوري: مطرب قوي.
أحلام: ملكة على المسرح.
حسين الجسمي: لا يشبه أحداً.
مادونا: أثبتت أن الفن بألف خير.
فارس كرم: يغنّي ما يليق بصوته.