منذ فترة ليست ببعيدة، كان عند قطاع عريض من الإسلاميين في الكويت، ولعله لايزال عند بقايا منهم، جدل واسع حول ما إذا كانت الديمقراطية منهجا كافرا، أو أنها ممارسة مباحة شرعا، وكان لديهم تبعا لذلك نقاش محتدم حول جواز المشاركة بالمجالس التشريعية، كالبرلمانات ومجالس الأمة والشعب، وحول ما إذا ما كانت تشرع من دون الله أم أنها مجالس إدارية، وكان ولايزال جدل حول ما إذا ما كانت الشورى ملزمة أم معلمة، أي ما إذا ما كان ولي الأمر المأمور شرعا باستشارة أهل الحل والعقد، ملزما بالأخذ برأيهم، أم أنها مجرد نصيحة لا تلزمه بشيء. وكان هنالك أيضا من يرى بالدستور وثيقة غير جائزة شرعا، لأن القرآن هو الدستور الوحيد كما يتصورون.

Ad

اليوم، وبعد سنوات عدة انخرط فيها الإسلاميون في الممارسة البرلمانية وصارت لهم الغلبة العددية في المجالس «التشريعية»، دخلها بعضهم في البدء من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، وبعضهم من باب وجوب مدافعة المنكر والباطل، وبعضهم من باب عدم ترك الأمر لأهل الفساد، أقول بعد هذه السنوات وصلنا إلى مرحلة مغايرة لتلك المرحلة، إن لم تكن معاكسة لها تماما، فما عادت قاعدة السمع والطاعة لولي الأمر ولو جلد ظهرك وأخذ مالك، وما عادت النصيحة الواجبة لولي الأمر تؤدَّى له سرا وهمسا، بل صار الاستجواب الدستوري هو اللغة السائدة.

لا أذكر هذا الأمر على سبيل الاستنكار، بل على العكس من ذلك، فانخراط الإسلاميين بهذه الأريحية، في العملية الديمقراطية المتفق عليها وفقا للدستور، وممارستهم لوسائلها السلمية وقبولهم بمخرجاتها واحترامهم لنتائجها هو أمر إيجابي يتمناه الجميع، ناهيك عن أن صدقية هذه الممارسة على أرض الواقع، ستكون دليلا ساطعا على أن الإسلاميين لا يمتطون ظهر الديمقراطية للوصول إلى السلطة ومن ثم الانقلاب عليها.

قلق «الآخر» من الإسلاميين لطالما دار وتمحور حول هذه الفكرة، وهي أن الإسلاميين لا يحملون إيمانا صادقا بالممارسة الديمقراطية، وإنما المسألة مجرد تكتيك للوصول إلى السلطة ومن ثم إلغاء هذا الآخر وسحقه، وهذا القلق، وبغض النظر عن مسبباته أو حجم دلائله، يبقى قلقا ملتهبا يجذب الانتباه له.

من تابع أزمة استجواب رئيس الوزراء التي لانزال نرتع في توابعها، كان بإمكانه أن يرصد اضطرابا واضحا عند قطاع عريض من الإسلاميين على هذا المستوى، وأن كثيرا منهم لايزالون غير قادرين على تحديد بوصلتهم تجاه الدستور والممارسة الديمقراطية وعلاقتها بالشريعة، خصوصا عندما تكون على المحك قضية لها بعد ديني، كقضية سب الله عز وجل أو الرسول عليه الصلاة والسلام أو الصحابة، بل إن ترددات من هذا الاضطراب كانت بادية في بعض تصريحات المستجوبين أنفسهم، وليس واردا أن أستحضر أمثلة لذلك.

نحن الإسلاميين نتحمل مسؤولية كبرى في إزالة هذا القلق من نفوس الآخرين، وفكرة أن هؤلاء مجرد زمرة من المشككين الذين يريدون معاداتنا وتأليب المجتمع علينا فحسب فكرة غير مقبولة، ليس من باب كونها صائبة أم لا، وإنما من باب أن من واجبنا أن نقدم أنفسنا لهذا المجتمع، غير التابع لأي تيار في قطاع عريض منه، كجماعات حضارية منخرطة في الديمقراطية بإيمان صادق. جماعات مبتغاها أن تقدم نفسها من خلال منهجها الإسلامي الذي لا يعادي الحياة ولا يرفض الآخر ولا يتعالى على فكرة تداول مقاليد الأمور بينها وبين غيرها، تحت مظلة الدستور الذي يقول في مادته الثانية إن دين الدولة الإسلام وإن الشريعة مصدر رئيس من مصادر التشريع على المشرع أن يأخذ منه ما وسعه ذلك.