انقلاب العار!
يختلف الانقلاب العسكري الذي نفذه الجنرال محمد وِلْد عبدالعزيز، يوم الأربعاء الماضي، ضد الرئيس الموريتاني سيدي وِلْد الشيخ عبدالله عن الانقلابات العسكرية العربية، التي ساد اعتقاد أنها ولَّت إلى غير رجعة، لكن هذا الانقلاب خيَّب هذا الظن في أنه لم يتحدث عن تحرير فلسطين من البحر إلى النهر وأن صاحبه هذا الجنرال المتضور جوعاً إلى الحكم قد قال، بينما جلاوزته كانوا يقودون رئيساً منتخباً ديموقراطياً الى السجن: «أتعهد شخصياً بالحفاظ على دولة القانون وحريات المواطنين والمؤسسات الديمقراطية الموجودة... كما ستكون حرية التعبير والصحافة مصونة»! يا سلام... «والله... ولنِعمْ». فإذا كان هذا الجنرال حريصاً على دولة القانون ومغرماً بحريات المواطنين ومتمسكاً بالحريات الديمقراطية ومِن الحُبِّ ما قتل، فلماذا إذن انقضَّ هو وعشرة جنرالات آخرين على رئيس ديمقراطي وعلى تجربة يصفها بأنها: «أول ديمقراطية حقيقية في العالم العربي»؟!
إن كل الذين قادوا انقلابات عسكرية عبر التاريخ العربي المضطرب والدامي قالوا ما قاله الجنرال محمد وِلْد عبدالعزيز، لكنهم، باستثناء عبدالرحمن سوار الذهب في السودان وأعلى وِلْد محمد فال في موريتانيا نفسها، ما إن تربعوا على كراسي الحكم وذاقوا طعم السلطة حتى نسوا ما قالوه وما وعدوا به كله، ولم يكتفوا بأن تحولوا إلى أباطرة يجددون لأنفسهم بانتخابات ما أنزل الله بها من سلطان، بل لم يتورعوا عن تحويل أنظمة من المفترض أنها ثورية وجمهورية إلى أنظمة وراثية أخْجلت حتى الأنظمة الملكية التي يرث الأبناء الحكم فيها عن الآباء. كان سيدي وِلْد الشيخ عبدالله أول رئيس منتخب ديمقراطياً في بلد شعراؤه أكثر من رمل صحرائه وكان الاعتقاد قبل أن يقوم رئيس الحرس الجمهوري بانقلاب الأربعاء، الذي من المفترض أنه المؤتمن على رئيسه، أن مسلسل الانقلابات العسكرية التي بدأها الجنرال حسني الزعيم في سورية في عام 1949، في هذه المنطقة قد انتهى وولـَّى بلا رجعة، وأن موريتانيا قد وضعت أقدامها على بداية طريق الاستقرار بعد أكثر من خمسة وأربعين عاماً من الاضطرابات والقلاقل وتناوُب الجنرالات على احتلال القصر الجمهوري واغتصاب السلطة باسم «الخلاص» و«التصحيح» و«المصالح العليا للبلاد». وهنا فإن المضحك والمبكي في آن واحد، هو أن صاحب هذا الانقلاب العسكري الموريتاني الجديد، الذي بالتأكيد لن يكون آخر الانقلابات العسكرية، أعلن أن انتخابات رئاسية «حرة وشفافة» ستجري بأسرع ما يمكن، وهذا ما قاله الانقلابيون كلهم في الوطن العربي، كما رفع هؤلاء كلهم شعار «الشفافية» ومارسوه بـ«شفِّ» كل شيء في أوطانهم المتعبة التي لايزال بعضها يحكم باسم «الثورة» رغم مرور أكثر من أربعين عاماً على انقلاباتها العسكرية. والمضحك أيضاً بالنسبة لهذا الانقلاب الذي قد يفتح شهيات جنرالات كثر في هذا الوطن، الذي اسمه الوطن العربي، أن عمرو موسى، وفق بيان صدر عـن الجامعة العربية، قد تابع بـ«قلق»، وكلمة قلق هنا مهمة جداً، وهي حمالة معانٍ كثيرة، هذه التطورات الموريتانية وأنه طالب بالحفاظ على المسيرة الديمقراطية... كثر الله خيره، كما أن رئيسين مغاربيين قد سارعا إلى تكليف الأمين العام لاتحاد دول المغرب العربي بالتوجه إلى نواكشوط لمتابعة ما يجري هناك، وكأن هناك «اتحاد مغاربي»، وكأن هذا الأمين العام باستطاعته أن «يشيل الزير من البئر»! ويعيد الرئيس المطاح إلى قصره الرئاسي.إنه انقلاب عارٍ بالفعل، فحتى أميركا اللاتينية اختفت فيها ظاهرة الانقلابات العسكرية وحتى إفريقيا قارة المذابح والحروب الأهلية وعيدي أمين وبوكاسو وتشومبي وهايلا ماريام بدأت تدخل مرحلة الاستقرار اللهم باستثناء أخوة العروبة، العاربة والمستعربة، في السودان وفي الصومال... إنه انقلاب يندى له الجبين وإذا أراد العرب قَطْع دابر هذه الآفة فإن عليهم ان يقاطعوا وِلد عبدالعزيز، وأن يحاصروه إلى أن يتراجع عن انقلابه ويعود سيدي وِلْد الشيخ عبدالله إلى ديمقراطيته وإلى قصره!* كاتب وسياسي أردني