بدل أن تستغل دولة التشيك رئاستها للاتحاد الأوروبي لتجمِّل مظهرها، فتحت آفاقاً جديدة باستخدامها الرئاسة كمكبر للصوت نادت عبره بأفكار الحرية الاقتصادية وحرية تقرير المصير التي تقدرها كثيراً، وعملت على توسيع هذه الأفكار داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه.

Ad

تقول الحكمة التقليدية في بروكسل في هذه الأيام إن من الأفضل أن تتخلى الجمهورية التشيكية عن رئاسة الاتحاد الأوروبي في أسرع وقت ممكن،

ولا شك في أن هذا أفضل في نظر السياسيين المؤيدين للحكومات الكبيرة، ولكن بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، أو الأربعمئة والتسعين مليون مواطن الذين يضمهم، سيشكل الخروج الوشيك للجمهورية التشيكية، التي لطالما نُدد بتوليها رئاسة الاتحاد الأوروبي، من وسط المسرح خسارة مرَّة.

يوم الجمعة، سيُسلّم رئيس الوزراء المخلوع ميريك توبولانيك السلطة إلى حكومة تسيير أعمال ستقود الجمهورية التشيكية خلال ما تبقى لها من فترة رئاستها الاتحاد الأوروبي، التي ستنتهي في 30 يونيو، وإلى انتخابات مبكرة في شهر أكتوبر.

مازلنا نجهل ما الدور الذي سيؤديه الرئيس التشيكي فاكلاف كلاوس، هذا إذا لعب أي دور، في شؤون الاتحاد الأوروبي خلال ما تبقى من ولاية الجمهورية التشيكية، مع أن المسؤولين الإداريين في الاتحاد يأملون حقاً أن يبقى في براغ، وأن يعني تسليم يوم الجمعة نهاية مبكرة لفترة الرئاسة التشيكية غير التقليدية.

أو كما قال مقال ورد في مجلة The Economist أخيراً، تقود الرئاسة التشيكية «النماذج الأوروبية في بروكسل» إلى «خلاصة واضحة جداً: على كل أعضاء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين أن يصادقوا في أقرب وقت ممكن على معاهدة لشبونة، التي توجد وظيفة جديدة، منصب رئيس الاتحاد الأوروبي الدائم. وبذلك لا يعود بإمكان الدول الصغيرة غير الكفؤة، مثل الجمهورية التشيكية، التناوب على التحدث باسم أوروبا».

غير كفؤة؟ هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة. فالمأخذ الوحيد على براغ بسيط جداً، وهو أنها استخدمت دورها في الرئاسة الدورية، التي تتبدل كل ستة أشهر، للترويج لفكرة مختلفة تماماً عما يجب أن يكون عليه هذا التكتل، فبدل أن يصبح دولة عظمى غير منتخبة ومتنامية القوى، يجب أن يكون اتحاداً بسيطاً لمجموعة من الديمقراطيات التي تتبنى تجارة حرة قوية والعمل على توسيع الحريات الفردية داخل حدودها الخاصة وخارجها.

لا تعتبر هذه الفكرة مجرد خيال مخالف للواقع ابتكره كلاوس كي يسيء إلى خوسيه مانويل باروسو. عوضاً عن ذلك، يعتبر أوروبيون كثيرون في الشرق والغرب وداخل حدود الاتحاد الأوروبي وخارجه، أن دور «متنفس الحرية» هذا يجب أن يكون الهدف الأعلى الذي يمكن أو يلزم أن يطمح إليه الاتحاد الأوروبي. ولكن في هذا الدور بالتحديد فشل الاتحاد الأوروبي فشلاً ذريعاً، قبل أن ترسم الجمهورية التشيكية المثال الجريء في هذا المجال منذ شهر يناير.

لم تكن «الرئاسة» تقليدياً سوى فرصة وطنية مميزة لكل حكومة تتولاها، فرصة أن تجذب الأضواء إليها، فيما تواصل عجلات سلطة التكتل البيروقراطية دورانها غير عابئة برغبات القادة الوطنيين المنتخبين وناخبيهم.

- لنتأمل حالة براغ

بدل أن تستغل الجمهورية التشيكية هذه الفرصة لتجمِّل مظهرها أو تقدم عرضاً مغرياً عن ولائها لمجموعة بروكسل، فتحت آفاقاً جديدة باستخدام الرئاسة كمكبر للصوت نادت عبره بأفكار الحرية الاقتصادية وحرية تقرير المصير التي تقدرها كثيراً، وعملت على توسيع هذه الأفكار داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه.

لنتفحص بعض الطرق التي استغلت بها براغ منبرها المؤقت هذا خلال الأشهر الأربعة الماضية:

- طالبت مراراً بأن يفي الاتحاد الأوروبي بوعده بمقاومة حملة روسيا الرامية إلى استعادة سيطرتها على الديمقراطيات الناشئة الواقعة على حدودها.

- شنت حملة مفصلة ودقيقة ضد دول الاتحاد الأوروبي التي مازالت ترفض فتح أسواق عملها أمام عمال أوروبا الشرقية الذين يدفعون الضريبة للاتحاد الأوروبي ويخضعون لقوانين وقواعد بروكسل منذ عام 2004.

- ناضلت ضد أشكال أخرى من الحمائية في التكتل بحشدها مثلاً المعارضة ضد تدابير فرنسا الهادفة إلى حماية صناعتها للسيارات من المنافسة الخارجية.

- قاومت باستمرار الخط الذي تعتمده بروكسل- واليوم واشنطن- والقائل إن نظرية الاحتباس الحراري البشرية الصنع وغير المثبتة سببٌ كاف لإعاقة الصناعة، والحد من خيارات المستهلك، وتفكيك محركات النمو الاقتصادي.

- دفعت الاتحاد الأوروبي إلى شمل المزيد من دول أوروبا الوسطى والشرقية كطريقة لمكافأتها وتقوية إصلاحات السوق الحرة في المنطقة.

- دافعت عن حقوق الإنسان في مناطق خارج القارة، بدءاً من إثارتها غضب كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي مع انطلاق فترة رئاستها بدعمها حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها عندما شنت عمليات عسكرية ضد «حماس» في غزة. منذ ذلك الحين، لم تفوِّت الجمهورية التشيكية فرصة واحدة أتيحت لها لتدين انتهاكات حقوق الإنسان في إيران وبورما وكوريا الشمالية وغيرها من البلدان. حتى أن توبولانيك دافع عن حقوق دافعي الضرائب الأميركيين حين أدان علانية سياسات الرئيس باراك أوباما الاقتصادية.

إذا قلنا إن براغ انتهكت قواعد السلوك في القارة وسددت ضربات تفوق حجمها في الشؤون الدولية، فإننا نخفف من واقع الأمور. ويجب أن تعرب أوروبا والعالم عن امتنان مضاعف على هذه الشجاعة وكسر التقاليد.

إن كان هدف رئاسة الاتحاد الأوروبي المساهمة في دفع دوله السبع والعشرين إلى تشكيل اتحاد فدرالي ملزم وغير ديمقراطي سيترك مصالح الكثيرين المتنافسة تحت رحمة قلة مختارة تملك التفكير نفسه، فعندئذٍ يكون النقاد محقين: كانت فترة رئاسة الجمهورية التشيكية كارثية وغريبة.

ولكن إذا كان هدفها إنضاج وتنمية اتحاد ديمقراطيات يستفيد من التبادل التجاري بين دوله ويعمل على تعزيز الحريات في الخارج، فإن الرئاسة التشيكية في هذه الحالة تُعتبر ناجحة على نحو منقطع النظير.

وكما قال كلاوس للبرلمان الأوروبي في شهر فبراير (وجوبه بأصوات الاستنكار والانسحاب من القاعة)، «لا يُعتبر هذا وذاك من تدابير الاتحاد الأوروبي المؤسساتية هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق الأهداف الحقيقية، ألا وهي حرية الإنسان ونظام اقتصادي يؤدي إلى الازدهار. هذا النظام هو اقتصاد السوق».

نتمنى لو أن كل قائد في العالم يشاطره أهدافه.

لا يُعتبر تصنيف الرئاسة التشيكية على أنها فوضى محرجة تصرفاً مجحفاً فحسب، بل أيضاً سلوكاً يغفل على نحو خطير عما يجب أن يكون هدفا حقيقياً للاتحاد الأوروبي. ربما بعد أن تخبو حملة إدانة براغ، سيتطلع قادة التكتل إلى رئاسة تشيكية غير تقليدية ويرون فيها مثالاً يُحتذى به لا مدعاة للسخرية. فإذا حدث ذلك، فإن الأوروبيين يجب أن يعتبروا أنفسهم محظوظين.

* صحافية أميركية مقرها في بروكسل تغطي شؤون بلجيكا والاتحاد الأوروبي.